لعله من حُسن حظ مصر والمصريين أنهم منذ 23 يوليو 1952 لم يحكمهم سوى حكم وطنى خالص مما جعلهم على الوجه المقابل يتمسكون به ويدافعون عنه بكل ما أتوا من قوة..! بالطبع باستثناء عام الاخوان الأسود.
ونحن لو أخذناها بتسلسل السنوات والشهور لتوقفنا مليا أمام حرص الرئيس عبدالناصر على ترسيخ الدفاع عن الديمقراطية والحرية فى شتى أرجاء الوطن العربى فضلا عن دول القارة السمراء التى كافح اهلها لكى تتنفس شعوبها هواء الحرية أو كان من المنتظر لولا إصرار المحتل على خلاف ذلك، واسمحوا لى أن اسرد لكم حكاية طريفة لكنها تنم عن أنباء سياسية ممتعة وخفايا اقتصادية لم يكن من السهل وقتها التقاط أطراف خيوطها.
ولعل ما يثير هذه الحكاية ما بها من تفصيلات ووقائع أننى كنت طرفا أساسيا فى كل مراحل تطورها من الألف إلى الياء كما يقولون.
>>>
ومع بداية الستينيات.. وبالتحديد يوم 30 يونيو عام 1960 استيقظ الأفارقة وبالتحديد أبناء الكونغو على صوت واحد منهم داعياً إلى الثورة والمساندة من أجل خير الجميع.. اسمه «لومومبا» واستجاب من استجاب ورفض دعوة الحاكم الجديد من رفض.
وكم كانت سعادة الأفارقة بعد أن استمعوا إلى خطاب التأييد الذى صدر من الزعيم المصرى الشاب جمال عبدالناصر والذى وافق على مدهم بالغذاء والكساء والدواء فزادت مشاعر الاطمئنان لدى شعب الكونغو الذى ظل أسير الاحتلال البلجيكى على مدى 40 عاماً وأكثر.
وللأسف اشتعلت ألسنة الغيرة والغضب فى قلب المحتل السابق وقام يحرض الجماهير الذين لم يكونوا قد بلغوا أى درجة من الوعى فاستجابوا للهجمة الشرسة والنصائح المغرضة مما حول الكونغو إلى كرات من النار وهنا وجد البلجيك الفرصة سانحة للتدخل المباشر وغير المباشر ودفعوا للمشهد عميلا من عملائهم اسمه جوزيف موبوتو الذى تولى الحكم خلفا للومومبا وعلى أسنة رماح الروس الذى كان تربطه بهم علاقات وطيدة منذ عدة سنوات..!
وكالعادة فى مثل تلك الظروف تتعدد المؤامرات وتكثر الانقلابات ليحل بعد أشهر قليلة موريس تشوبى رئيسا للبلاد بعد أن شغل موقع نائب الرئيس أثناء حكم موبوتو.
طوال هذه الرحلة كان عبدالناصر وثيق الصلة بفصائل متنوعة ولما وجد أن الأمور تتعقد.. دعا إلى قمة أفريقية فى القاهرة بشرط ألا يحضرها تشوبى الذى كان ينظر إليه عبدالناصر كخائن وعميل.
وبدأت الاستعدادات من القاهرة فى سرعة فائقة.. وكنت أنا أعمل متابعاً شئون المطار وبحكم موقعى جاءنى خبر يقول إن تشوبى فى طريقه للقاهرة.
كيف وكيف بينما رئيس المؤتمر ورئيس الدولة يشترط أساساً عدم حضور تشوبي.
المهم طائرة الرئيس لم تلتزم بتعليمات أجهزة الرادار والقوى الجوية فما كان من سلطات مطار القاهرة إلا أن منعت تشوبى ومرافقيه من دخول البلاد بل ذهبت بهم إلى مستشفى الحجر الصحى وقيل إنهم لا يحملون الشهادات الصحية المطلوبة وفقاً لتعليمات الدولة.. طبعاً لم تكد تمر سوى ساعة حتى عاد تشوبى إلى بلاده.
>>>
قصدت من هذه السطور السابقة أن أؤكد على حرص زعماء مصر على عدم المساس بحبة رمل من رمالها.. لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يقيض زعيماً وطنياً من لُحمة شعب مصر ليتولى حكم البلاد حكماً قائماً على العدالة والمساواة والحرية.
وجــــاء يـــوم 3 يوليـــــو عـــام 2013 ليعــلن الرئيس عبدالفتاح السيسى الاستجابة لمطالب الشعب لإسقاط حكم جماعة الإخوان الإرهابية بعد هذه المظاهرات الحاشدة التى عمت مدن وشوارع وميادين مصر.. والتى رفع المحتجون خلالها شعارات..
«يسقط يسقط حكم المرشد».. وبالفعل سقط هذا الحكم ليتولى القائد الشريف الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة البلاد.