لم يعد اسم «الغرقانة» يثير في الأذهان صورة العشش المتناثرة وسط رمال محمية نبق؛ فقد استيقظت القرية أخيرًا على واقع جديد تحرسه بيوتٌ تتحدى شمس سيناء اللاهبة وتحتمي من سيول الشتاء.

مشروعٌ طموح قادته وزارة البيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تحت مظلة مبادرة «جرين شرم»، فحوّل آخر تجمع للصيادين في شرم الشيخ إلى قصة نجاح يتناقلها الجميع.
من العشش إلى البيوت الآمنة… سعادة تملأ القلوب
حمدان مبارك، شيخ الصيادين، يقول بعين تلمع دهشةً وفرحًا: «محسِبناش يوم إن حد هيفتكرنا… كنا نبيع سمكنا للفنادق ونرجع للعشش، دلوقتي بنرجع لبيت يحمي عيالنا من الشمس والسيول».

أما بخاطرها محمد فتعدِّد مزايا البيت الجديد: «كهربا، ميّه نظيفة، سقف يحوش الحر… ولسه الأحلى إننا حاسين بينا »اما صغار الغرقانة فقد استقبلوا الضيوف بملابس ملوَّنة وقفزات فرح، يتباهون بغرفهم وورش الأشغال اليدوية التي وُعدوا بها.
وزيرة البيئة: تنميةٌ متكاملة الإنسان والطبيعة معًا
بحضورالدكتورة ياسمين فؤاد، أعلن افتتاح المشروع بوصفه «محطة جديدة تثبت أن حماية المحميات الطبيعية مسارٌ للتنمية لا عائقٌ أمامها». الوزيرة، التي تطوي 26 عامًا من الخدمة في نهاية ولايتها، أكدت أن قرية الغرقانة تجسد رؤية الدولة لأهمية تكرار تجربة الغرقانة بالاعتماد على اقتصاد أخضر يدمج المجتمع المحلي ويحافظ على الكنوز البيئية الفريدة لمحمية نبق من شعاب مرجانية، كائناتٌ بحرية وبرية، وغابات المنجروف .

وتضيف المشروع حقق حلمًاعملت عليه مع زملائي في القطاع، وهو إظهار كنوز مصر الطبيعية وصونها، ودمج المجتمع المحلي في مسارات تنمية محمياتنا الطبيعية ضمن رؤية متكاملة للدولة تنطلق من أن الحفاظ على محميات مصر الطبيعية جزء أصيل من تحقيق استدامة مواردنا الطبيعية.
شراكة دولية… ومعمار يستلهم روح البادية

الممثل المقيم للـ UNDP، أليساندرو فراكستي، وصف المشروع بأنه «قصة صمود وتراث وأمل» تلخص نموذج حياة واعية بيئيًّا تعتمد على الطاقة المتجددة والسياحة المسؤولة.

محمد عليوة مدير مبادرة «جرين شرم» أوضح أن المشروع تحت مظلة مبادرة جرين شرم يضم ٥١ منزلًا على مساحة ١٢٤ م² للبيت الواحد. وبتكلفة إجمالية ١١٠ مليون جنية تم البناء باستخدام «الدبش» السيناوي والخشب مع قباب وزوايا ميل توفر تيار هواء طبيعيًّا ينعش صيفًا ودافئ شتاءً. كما يضم كل منزل ألواح شمسية ومحطة مياه وصرف صحي صُمِّمت بحيث تظل متناغمة مع أنظمة المحمية.
منازل صديقة للبيئة… وفرص عمل لنساء القرية
المشروع لم يكتفِ بالسكن؛ فقد جُهِّزت مشاغل للحرف اليدوية مع برنامج تدريب للفتيات على إعادة تدوير البلاستيك وصناعة منتجات سياحية تعكس هوية نبق، ما يفتح باب رزق جديد لبنات الصيادين. كما خضع الأهالي لدورات استقبال الزوار وإرشادهم إلى السياحة البيئية، ليصبحوا حراسًا لطبيعتهم وشركاء في اقتصاد أخضر واعد.
هندسة تراعي الطبيعة وتقرأ تضاريس السيول
يشرح المهندس الاستشاري وديع يونس أن التصميم استغرق ١٢ شهرًا وشارك فيه السكان خطوة بخطوة. فحدّدوا معًا مناطق آمنة جولوجيًّا لا تصل إليها السيول، ثم بُنيت البيوت بحوائط حاملة تسمح بمرور أربع سرعات مختلفة من الهواء الطبيعي. وعلى أسطحها محطات شمسية صغيرة، بينما خُصصت مناطق الصرف خارج المنزل لضمان استدامتها.
مستقبل أخضر على ساحل خليج العقبة
مع إزالة العشش القديمة وافتتاح البيوت الجديدة، اصبحت الغرقانة مثال لذلك مجتمع محلي يحفظ تراثه البدوي، ويقطن بيوتًا ذكية صديقة للبيئة، ويستقبل السياح ليحكي لهم قصة تحول قرية صيادين إلى علامة مضيئة على طريق التنمية المستدامة في مصر.
قرية الغرقانة اليوم ليست مجرد مشروع إسكان؛ إنها امل بأن أحلام المجتمعات الصغيرة يمكن أن تكبر تحت شمس سيناء، إذا امتزجت الإرادة السياسية بالشراكات الدولية وروح أهل المكان.



