كل ما جرى ويجرى حولنا أنظر اليه على انه مجموعة من الدروس التى يجب الانتباه جيدًا لها، دروس واضحة فى السياسة والعلاقات الدولية ودروس أكثر وضوحًا فى الحروب والخطط العسكرية، ويبقى الدرس الأهم وهو أسباب ومسببات الانكشاف الاستخبارى فى دولة ما فى وقت ما فى ظروف ما، وكذلك أسباب التفوق الاستخباراتى لدولة اخرى فى نفس الظروف ، بيد أن ادارة الأزمات قصة ولها رجالها وحل تلك الأزمات قصة أخرى ولها رجال آخرون.
> > >
دعونى افصِّل قليلاً ما أجملت فى ضوء فهمى وقراءاتى وتحقيقاتى المعمقة حول العنوان العريض «الدروس المستفادة من الحروب الدائرة فى روسيا وأوكرانيا ثم إيران وإسرائيل كحروب دول» ، بالإضافة إلى حروب الفواعل من دون الدول «المليشيات»، أولاً: الحرب الروسية الاوكرانية تخرج منها بحزمة دروس مهمة أولها ان الشعور الوطنى الروسى والاعتزاز بالقومية الروسية هو سيد الميدان بلا منازع.
> > >
الحروب الحديثة لا تحسمها الأسلحة القديمة والتقليدية، فالمسيرات على سبيل المثال هى الأداة الأكثر حسما فى معارك هذا الزمان، والاعتماد على استيراد الذخائر أثناء سير المعارك دون وجود قاعدة صناعية امر قاتل، ثانيًا: الحرب الإيرانية الإسرائيلية تؤكد ان «الدنيا اتغيرت وكذلك الحروب والجيوش»، تابعنا على الهواء مباريات عسكرية حقيقية وقطّع شطرنج تتحرك وتنتقل بالذكاء الاصطناعي.
> > >
هذه الحرب ستضيف فصلا جديدا فى كتب العسكرية للحروب الخاطفة «أثنى عشر يوما» مليئة بالتفاصيل الدقيقة التى تحتاج إلى تحليل، بالتأكيد كانت منظومات الدفاعات الجوية المختلفة هى العنوان البارز والسمة الأساسية لهذه الحرب، لكن تبق العظة والعبرة والدرس الحقيقى فى اختراق اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للمجتمع الإيرانى وانكشافه أمام إسرائيل بهذا الشكل المريع غير المسبوق على هذا المستوي.
> > >
كيف ومتى ومن فعل ذلك؟ كيف يتم اختراق الصفوف الأمامية وزرع عملاء يحضرون اجتماعات لها طابع إستراتيجى وتجنيد عدد ضخم من اللاجئين الأفغان وغيرهم ليكونوا قوات برية بديلة على الارض الإيرانية؟ رأينا منصات تطلق المسيرات من داخل الأراضى الإيرانية يديرها وينفذها متعاونون محليون لحساب العدو! من الدروس الفرعية هنا، ان كثيرين لم يزنوا الأمور بميزان مبين ، فمقتل سليمانى كان عملا استخباريا بامتياز.
> > >
أما مقتل إسماعيل هنية داخل بيت الضيافة للحرس الثورى فكان بمثابة رسالة غير مشفرة من الموساد للإيرانيين «لقد اخترقناكم» وبالطبع كان اغتيال حسن نصرالله ورجاله وواقعة البيجر وغيرها الكثير وصولاً إلى مقتل إبراهبم رئيسى نفسه علامات استفهام شديدة الوضوع، ثالثا: الفواعل من دون الدول أو المليشيات جميعها ودون استثناء ما هى إلا أجسام وظيفية تعمل فى سياقات مرسومة وموجهة لتحقيق أهداف عديدة ليس من بينها بالتأكيد ما هو معلن.
> > >
إلى هنا أصل إلى بيت القصيد، إلى مبتدأ الجملة وخبرها، إلى مصر ، حيث أرى أن الدروس المستفادة من كل ما جرى تؤكد أننا فى اقليم مشتعل ولن تنطفئ نيرانه مهما حاول المحاولون، نحن فى حالة استثناء دائمة او ما يمكن ان أطلق عليه «ديمومة الظروف الاستثنائية»، علينا ان نحافظ على التماسك المجتمعى بشكل أكثر نضجا ووضوحًا، علينا ان نعيد تعريف الوعى المطلوب أو المفروض أو الواجب لنربطه بالاصطفاف الوطنى والتماسك المجتمعى والتحديات المتداخلة دون مزايدات فارغة.
> > >
علينا ان نفتح عيوننا على كل ما يجرى حولنا ونراقب مؤشر الخطر واتجاهاته ، علينا أن ننتبه للاجئين جيدا ونضع فى اعتبارنا ما جرى فى إيران.