فى أتون الحرب العالمية الثانية، كان الحلم بحياة آمنة يراود كل الشعوب، وكان السلام غاية تسعى لها جميع الدول، فخرج إلى النور فى 26 يونيو 1945 «ميثاق الأمم المتحدة» أملا فى «إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب». وخلال الـ80 عاما الماضية لم تكن تلك الوثيقة سوى حبر على ورق مزقتها الدول المارقة مرارا وتكرارا، بشن الحروب والنزاعات، وإراقة الدماء وظلم الأبرياء.
أثناء الحرب العالمية، وقّع الحلفاء اعتبارا من عام 1941، مجموعة من الاتفاقات التى وضعت المعالم التأسيسية للأمم المتحدة. لكن صياغة الميثاق تمت خلال مؤتمر مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية فى 25 و26 أبريل 1945، ووقعته الدول الخمسون المشاركة. وبعد مصادقة الصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وغالبية الدول الأخري، أصبحت الأمم المتحدة واقعا فى 24 أكتوبر 1945 مع 51 دولة مؤسسة.
يتألف الميثاق من 19 فصلا و111 مادة، ترسم «أهداف الهيئة ومبادئها» والأسس الحاكمة للعلاقات الدولية، مثل حل النازعات سلميا، السيادة، المساواة بين الدول، التعاون فى المجال الإنساني، واحترام حقوق الإنسان. وفى حال حدوث تهديد للسلام العالمي، يمنح الفصل السابع مجلس الأمن الدولى صلاحية فرض عقوبات واتخاذ إجراءات، وصولا إلى حق استخدام القوة العسكرية.
ويحدد الميثاق دور الهيئات الرئيسية للأمم المتحدة، خصوصا مجلس الأمن حيث تحظى الدول الخمس دائمة العضوية بحق النقض (فيتو)، والجمعية العامة والأمانة العامة، إضافة إلى محكمة العدل الدولية.
ويمكن لكل دولة توافق على مبادئ الميثاق، أن تنضم إلى الأمم المتحدة، لكن يمكن لأى من الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن أن يحول دون ذلك. ويعد تعديل الميثاق أمرا بالغ الصعوبة، إذ يحتاج إلى مصادقة ثلثى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، بما فيها الأعضاء الدائمون فى مجلس الأمن.
هذا ما حدث مع فلسطين، فهى لديها صفة مراقب غير عضو فى الأمم المتحدة، وهذا الوضع يعطيها بعض الامتيازات، مثل المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة، لكنها لا تملك حق التصويت أو الترشح لمناصب فى الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة.
وفى ديسمبر الماضي، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بأغلبية 157 عضوا مقابل 8 أعضاء صوّتوا ضدّه (بينهم إسرائيل والولايات المتحدة والمجر والأرجنتين)، بينما امتنع 7 أعضاء عن التصويت، لتظل قرارات الجمعية العامة قيد الأدراج مع مثيلتها من قرارات ومواثيق المنظومة الدولية.
على مدى الأعوام الثمانين الماضية، تعرض ميثاق الأمم المتحدة لانتهاكات متعددة، لكن يندر أن يجمع الأطراف على اعتبار أى تصرف «انتهاكا» للميثاق، إذ غالبا ما يخضع ذلك لتباينات يحكمها التاريخ والعلاقات الدبلوماسية والتفسيرات المختلفة للنصّ التأسيسي.
وغالبا ما تفتح مواد ميثاق الأمم المتحدة المجال أمام حجج متناقضة، مثل حق الشعوب فى تقرير المصير، مقابل عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، أو حتى «الدفاع المشروع» فى مواجهة «أعمال العدوان».
ومثال على البنود المطاطية» للميثاق عندما اتهمت إيران مدعومة من الصين، الولايات المتحدة بانتهاك الميثاق عبر قصف منشآت طهران النووية قبل أيام، بينما تذرعت واشنطن بـ»الحق الجماعى فى الدفاع المشترك بما يتلاءم مع الميثاق».
كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة وجمعيتها العامة، العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا باعتبارها انتهاكا لميثاق المنظمة الدولية، لكن مجلس الأمن حيث تحظى موسكو بحق الفيتو لم يقم بذلك.