رسالة جديدة من كتاب قديم
ماذا قال هيكل عن الحرب والسلام مع اسرائيل .. وماهى رسائل المسيرى عن علاقة الصهيونية بالنازية ؟
فى تقديري.. إن أخطر ما كشفت عنه وأكدته الحرب الإيرانية – «الإسرا – أمريكية» – والتى «رسم» الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «نهاية لها» عبر عدد من الإجراءات والقرارات والتهديدات والمواءمات العسكرية والسياسية «وغيرها» – هو «التحالف المقدس» ببن الولايات المتحدة وإسرائيل.. فطوال أيام الحرب كانت تلوح فى الأفق الحائر والمتداخل والملتبس «إشارات» تقول إن التحالف الإستراتيجى التاريخى بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد بات واضحا بالفعل أنه سلك طريقاً جديداً.. طريقا يضفى الصبغة الدينية أو العقائدية على كل ما تقوم به إسرائيل سواء داخل ميدان المعركة أو خارجها.. ظهر ذلك جليا عقب «الضربة الأمريكية» للبرنامج النووى الإيراني.. فبعد هذه الضربة توجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى حائط البراق بالمسجد الأقصى المبارك.. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. توجه نتنياهو إلى حائط البراق وأدى صلاة يهودية تلمودية شكرا لله على نجاح الهجوم الأمريكى على إيران.. ووفقا لما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنفسه وما ذكرته وتناقلته وسائل الإعلام العالمية فإن بنيامين نتنياهو طلب من الله فى صلاته أن يبارك ويحمى ويساعد الرئيس ترامب الذى وصفه نتنياهو فى صلاته بأنه هو الذى أخذ على عاتقه طرد الشر والظلام من العالم!!.. نتنياهو فى صلاته هذه لم ينس شعب إسرائيل فقد قام بوضع «ورقة» داخل ثقوب حائط البراق بعد أن كتب عليها «شعب إسرائيل قام.. شعب إسرائيل حى» !!
بنيامين نتنياهو، وخلال كلمته التى ألقاها مباشرة بعد الضربة الأمريكية لإيران.. واستبق بها ترامب نفسه منفذ الضربة.. بنيامين نتنياهو فى هذه الكلمة استدعى الصبغة الدينية لإضفائها على الحرب.. قال نتنياهو «بالحرف الواحد»: الرئيس ترامب إننى أشكرك وشعب إسرائيل يشكرك وقوى الحضارة تشكرك.. بارك الله أمريكا.. بارك الله إسرائيل.. وبارك الله فى تحالفنا الراسخ وإيماننا الراسخ»!!.
فى واشنطن.. كانت «الصورة» تسير فى نفس الإتجاه وبنفس الروح.. إضفاء حالة من القدسية على هذه الحرب وهذه الضربة التى استهدفت البرنامج النووى الإيراني.. بل وإضفاء هالة من القدسية على هذا التحالف الأمريكى – الإسرائيلي.. كان هذا واضحا فى كلمة الرئيس ترامب عقب توجيه الضربة.. وكان واضحا أيضا فى كلمات وزير الدفاع بيت هيجسيث خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده مع رئيس هيئة الأركان المشتركة لشرح تفاصيل الضربة الأمريكية «التاريخية»!!.
أن تزعم إسرائيل وتؤمن أمريكا أن أى حرب أو أى جريمة تشنها أو تنفذها دولة الاحتلال سواء فى إيران أو فى غزة أو حتى فى لبنان واليمن.. هى حرب مقدسة يشنها «شعب الله المختار» ودعاة الحضارة ضد «الأغيار» وأنصار البربرية.. أن تزعم إسرائيل وتؤمن أمريكا بذلك فهذا «خطر داهم».. خطر داهم على المنطقة كلها بل والعالم أيضا.. فمعنى أن حروب إسرائيل هى حروب مقدسة تخوضها باسم الرب.. ومعنى أن تكون الولايات المتحدة مقتنعة بذلك أو تشجع ذلك «أو حتى متعاطفة معه».. معنى ذلك كله أن إسرائيل لن تتنازل عن مشروعها الصهيونى التلمودى «الرباني» المزعوم بإنشاء «إسرائيل الكبري».. وهذا هو الخطر الأكبر الذى يستوجب على «كل من يهمه الأمر» فى الشرق الأوسط أن يتنبه له ويبدأ «من الآن» فى إحاطة وتحذير المنظمات الدولية والقوى الفاعلة فى العالم للمشاركة فى كبح جماح هذا الخطر الذى ستطال دائرته الجميع دون استثناء!!
عندما يتم إضفاء صبغة القداسة على حروب وجرائم إسرائيل.. فالشرق الأوسط والعالم أيضا أمام كارثة تهدد بالفعل الأمن والسلم الدوليين.. عندما تعتقد إسرائيل ومن خلفها «وأمامها» أمريكا بأن جميع الحروب التى تقوم بها هى حروب «باسم الرب ومن أجل شعب الرب» فإننا بذلك أمام تنفيذ مرحلى لعقيدة «إسرائيل الكبري» وفتاوى اليمين المتطرف والتى جمعها حاخام إسرائيل الأشهر عوفاديا يوسف عندما أصدر فتوى فى عام «2001» دعا فيها إلى إبادة العرب بالصواريخ.. قال عوفاديا يوسف فى فتواه التى أصدرها ضد العرب «يجب إبادة هؤلاء الأشرار الملعونين وليذهبوا إلى الجحيم».. تجدر الإشارة هنا إلى أن الجيش الإسرائيلى فى حربه على غزة ينفذ هذه الفتوى التى أطلقها عوفاديا يوسف قبل مايقرب من أربعة وعشرين عاما!!
القدسية التى ألقتها إسرائيل على حروبها وجرائمها تجدها فى صور عديدة وعلى كافة المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية.. من أبرز هذه الصور هو قيام بنيامين نتنياهو بتغيير اسم حرب الإبادة التى يشنها على غزة.. فبعد أن أطلق نتنياهو اسم «السيوف الحديدية» على هذه الحرب عاد وغير هذا الاسم ليصبح اسمها «حرب القيامة».. وهى الحرب التى تقاتل فيها إسرائيل «وفقا لرؤية نتنياهو واليمين المتطرف» العرب الفلسطينيين رمز الهمجية والبربرية!!.. وتدخل فى هذه الرؤية إيمان الإسرائيليين بأن من حقهم «عقائديا» فعل كل شيء ضد «الأغيار».. وهم كل من ليس يهوديا.. يجوز قتلهم وحرقهم وذبحهم وسرقتهم وتهجيرهم.. وهذا أيضا مايحدث فى فلسطين «الآن» سواء فى غزة أو الضفة وكذلك مايحدث من تدنيس واقتحام متواصل ومنع الصلاة فى المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى حبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
امتداد هذه القدسية المدعاة على حروب وجرائم إسرائيل لتلقى الدعم والتأييد الرسمى الأمريكي.. هذا الامتداد مثلما كان واضحا فى حرب الإبادة على غزة كان واضحا أيضا فى الحرب الإيرانية «الإسرا أمريكية» منذ الشرارة الأولي.. فبمجرد أن بدأت الحرب راح السيناتور الجمهورى الشهير ليندسى جراهام «يغرد» على مواقع التواصل الاجتماعى قائلا: اللعبة بدأت ونصلى من أجل إسرائيل!!
وجدت العديد من الرسائل والإشارات التى يمكن القول أنها تنطبق على المشهد العام الذى تمر به المنطقة والإقليم «اليوم» خاصة بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار فى الحرب الإيرانية «الإسرا أمريكية».. هذه الرسائل والإشارات والتى سنقوم إن شاء الله سبحانه وتعالى بعرض بعض منها «اليوم» وجدتها فى كتاب للمؤرخ الموسوعة الدكتور عبدالوهاب المسيري.. هذا الكتاب هو كتاب «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ» والذى صدرت طبعته الأولى قبل ما يقرب من ثمانية وعشرين عام «1417هـ-1997م».. من المهم التوقف عند هذه الرسائل والإشارات التى تضمنها هذا الكتاب.. التوقف عندها وأمامها كثيرا وطويلا حتى يمكن إحداث مايمكن وصفه بأنه «استدراك مبكر» لخطر قادم لامحالة يستهدف جميع الشرق الأوسط!!
من أهم الرسائل التى تضمنها الكتاب هو ما أشار إليه العلامة عبدالوهاب المسيرى إشارة غاية فى العمق والدلالة.. ألا وهى العلاقة بين الصهيونية والنازية حيث جاء بالأدلة والبراهين ما يؤكد الارتباط الوثيق بينهما وكيف أنهما ظاهرتان من نتاج الحضارة الغربية.. الحضارة الغربية التى يدافع عنها نتنياهو فى كل «خطاباته» وفى كل «زياراته الأمريكية».. عبدالوهاب المسيرى يؤكد أن فكرة «الإبادة» التى جاءت فى النازية وكذلك «الإبادة» التى بنت عليها الصهيونية عقيدتها وكيانها.. «الإبادتان» مستمدتان من صميم بنيان وأفكار الحضارة الغربية «الأوروبية الأمريكية».. أما «الرسالة والإشارة الأبرز» فى كتاب عبدالوهاب المسيري.. هى تلك التى جاءت فى «كلمة» سجلها فى بداية الكتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل.. سجل هذه الكلمة كتقديم لما يحتويه كتاب الدكتور المسيرى «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ».. ونظرا لأهمية ماقاله الأستاذ محمد حسنين هيكل وماتضمنه من ومضات لها ارتباط وثيق بما يجرى الآن وبما يعد ويحضر له مستقبلا.. نظرا لذلك كله رأيت أن أنقل ما ذكره الأستاذ محمد حسنين هيكل كما هو دون تدخل منى حتى تصل الرسالة والإشارة كما هي.
يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل: أظن أننا فى حالة الحرب وفى حالة السلام معا نحتاج إلى معرفة أكثر بإسرائيل.. فليس هناك من يستطيع أن يحارب طرفا لايعرفه وليس هناك من يستطيع أن يسالم طرفا لايعرفه أيضا.. ولعل المعرفة بالآخر تكتسب لنفسها أهمية أكثر فى حالة من نوع ماهو قائم الآن بين العرب وإسرائيل.. فلا هى الحرب لأن الطرف العربى لايملك الضرورات الأساسية للحرب.. مثل تحديد الهدف بوضوح.. وامتلاك الوسائل بثقة.. وتهيئة الظروف داخل مجال الصراع وخارجه بكفاءة.. والتحصن بالإرادة والتفرقة بينها وبين أحلام اليقظة بحزم.. وفى نفس الوقت فإن السلام لم يجيء لأن السلام له اشتراطات.. وهى الرضا الاختيارى بصلاحية الفرصة لصنعه وليس الجرى تحت فرقعة السياط إلى موائده.. والاحساس بأن ما هو مطروح على المائدة يوفر توازنا فى الأمن والمصالح.. والتأكد من أن أحدا لا يملك ميزة احتكارية يفرض بها إرادته إلى حد طلب الإذعان.. والرضا عن اتساق نتائجه مع الطبيعة والتاريخ دون شذوذ.. لكن هناك «حالة ثالثة» هى لا هى السلام ولا هى الحرب.. لا هى الإذعان لأحكام الواقع ولا هى القدرة على تحدى هذه الأحكام.. وفى وقت من الأوقات كان يطلق على شيء من هذا النوع وصف حالة «اللاسلم واللاحرب».
ويضيف محمد حسنين هيكل: إنه فى الوضعية العربية الراهنة «لاحظ أن هذا الحديث قاله هيكل قبل مايقرب من ثمانية وعشرين عاما».. إنه فى الوضعية العربية الراهنة.. هناك توجهات متعددة.. من هذه التوجهات ما يرى أن الحضور فى التاريخ شرطه الاعتراف بالأمر الواقع كما هو.. والأمر الواقع كما هو لصالح إسرائيل.. وإذن فلنقبل بالحقبة الإسرائيلية وإلا فنحن غير عمليين وغير واقعيين.. وهذا توجه يتكفل بحقائق الأشياء وبتحويل الغياب إلى غيبوبة تخرج بأصحابها من التاريخ أكثر مما تعود بهم إلى مجاريه!!.. وهناك توجه.. والكلام مازال لهيكل.. يرى أن الحضور فى التاريخ شرطه مسايرة التيار الغالب.. والتيار الغالب كما يقول أصحاب هذا التوجه «نظام عالمى جديد» تسيطر عليه وتحركه الولايات المتحدة.. ولما كانت إسرائيل هى الصديق الأهم لسياسات الولايات المتحدة فى المنطقة فإن المستقبل مضمون بأن نتنافس أو نتعاون مع إسرائيل فى صداقة الولايات المتحدة وسياساتها.. وهذا توجه ينسى أن التاريخ يصنعه الشجعان ولا تصنعه القطعان.. ثم إن هناك توجهاً آخر لعله أصعب التوجهات جميعا لأنه يجعل من العودة إلى النفس مقدمة ضرورية للعودة من الغياب إلى الحضور التاريخى الحى والفاعل.. وظنى «هكذا يقول هيكل» إن أصحاب هذا التوجه أقرب من غيرهم إلى الحقيقة.. وعندما جاء محمد حسنين هيكل يستخلص أو «يلخص» ما أراد أن يرسله أو يبعث به فى «تقديمه» لكتاب عبدالوهاب المسيرى «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ».. عندما جاء «يلخص» رسائله وإشاراته قال: إن الاعتراف بالأمر الواقع «ترسيخ» للغياب من حيث هو اعتراف بالآخر وحده.. ثم إن الالتحاق بالغالبين فى موقف حيرة وضعف «إنكار» لدوافع ومحركات التطور والتقدم!!
بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار فى الحرب الإيرانية «الإسرا أمريكية».. وبعد هذا التنسيق المتنامى والمتصاعد بين تل أبيب وواشنطن فى «التحالف المقدس».. وبعدما مررنا على بعض رسائل عبدالوهاب المسيرى ومحمد حسنين هيكل عن الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ.. يظل السؤال «ماذا بعد؟» هو السؤال الذى يدلل بشكل أكثر دقة على «المجهول» الذى صار أقرب نافذة يمكن أن يطل عليها مستقبل الشرق الأوسط!!
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.