تفصلنا ساعات معدودات عن 30 يونيو التى أعطت لهذا الشهر قيمة وطنية غير تلك التى اعتدنا عليها منذ عقود،.لقد كانت 30 يونيو ثورة بحق، صححت ما سببته أحداث يناير من تداعيات خطيرة على مصر.
لقد شهد ذلك اليوم من عام 2013 ذكرى مجيدة؛ وهى ثورة 30 يونيو ، ثورة الشعب وإرادة الوطن التى انحازت إليها القوات المسلحة والشرطة حتى استأصلت آفة كبيرة كانت ستلتهم الأخضر واليابس لو تمكنت أكثر من مفاصل الدولة، تلك الثورة أطاحت بجماعة الإخوان بعد عام واحد بائس فى حكم مصر؛ لم تكتف الجماعة خلاله بسياسة التكويش على كل المناصب بل عمدت إلى إقصاء كل فصيل لا ينتمى لفكرها وأيديولوجيتها، والأدهى والأمرّ أنها لا تعترف بالأوطان ولا بحدودها وترابها؛ إذ تراها حفنة عفنة من تراب، وترى من يخالفها الرأى والفكر خصمًا أو عدواً حتى ولو كان من بنى جلدتها.
ولم يكن الإقصاء والتكويش هما آفة الإخوان الوحيدة بل ظهرت رغبة الجماعة فى تصفية الحساب مع كل مختلف معهم حتى ولو كان من التيار ذاته.. وقد ذقت أنا شخصيًّا، مثل كثيرين غيرى، مرارة التعنت والتنكيل والاتهامات الباطلة بغير دليل حتى أننى وجدت نفسى مضطرًا للمثول أمام جهاز الكسب غير المشروع تارة، ونيابة الأموال العامة والمحكمة تارة أخرى لا لشيء إلا لأنى كنت رئيساً لمجلس دار التحرير للطبع والنشر (الجمهورية) فى أخريات حكم مبارك، وكانت هذه الصفة وحدها تكفى فى نظر الإخوان لاستهدافى ببلاغات تأكدت كيديتها ببراءتى من كل ادعاء بحكم المحكمة.
وكم كانت نلك الأيام مؤلمة، فقد عشت خلالها تجربة مريرة واستهدافًا وتعنتاً من «الإخوان» الذين أرادوا الكيد والتنكيل بنظام مبارك وكل من عمل معه، وما إن تم قبول استقالتى حتى طاردنى الإخوان ضمن قيادات صحفية أخرى ضمت نحو 600 صحفى وقيادة صحفية، بسيل من البلاغات الكيدية لجهاز الكسب غير المشروع رغبةً منهم فى تصفية الحسابات مع كل القيادات الصحفية التى عملت فى عهد مبارك..!!
ولا أنسى يوم جرى استدعائى لجهاز الكسب غير المشروع ولم يجد رئيسه أى شبهة تستوجب التحقيق معى من الأساس، فضلاً على احتجازي..يومها فقلت له: سيادة المستشار: ما التهمة التى تحقق فيها معي..هل تعاقبنى لأننى جلبت موارد للمؤسسة من الإعلانات وحتى لو تحصلت منها على مكافأة..هل هناك نصٌ قانونى يجرِّم ذلك..وهل هناك مؤسسة صحفية اليوم فى ظل ظروفها الطاحنة لا ترجو صحفييها الحصول على إعلانات تسهم فى إبقاء تلك المؤسسات على قيد الحياة؟!
وليت الأمر وقف عند التحقيق معى بل إننى فوجئت يومها بقرار من النائب العام (الإخواني) أيضًا بالحجز على أموالى وأموال أسرتى بالبنك دون أى ذنب .. ولم أفقد الأمل، فقد تقدمت بالتماس قانونى جرى النظر فيه بعد 6 أشهر وقدمت ما يثبت براءتى من كل الادعاءات وأننى لم أتقاض من المؤسسة مليماً لا أستحقه، وأن ما أملكه هو نتاج لشغلى وتأليفى عددًا من الكتب وبالفعل حكمت المحكمة لصالحى وقد تمت تبرئتى تمامًا من جهاز الكسب غير المشروع ونيابة الأموال العامة بعد قرار المحكمة.
والسؤال: ماذا كسب الإخوان من جرجرة القيادات الصحفية للمحاكم..وإذا لم يكن ذلك بدافع الانتقام وتصفية الحسابات فماذا كان الدافع والغاية من اتهام الأبرياء ومحاولة تلويث السمعة لكل من ارتبط بعصر مبارك..؟!
ومن بطن المحن تولد المنح، وقد جاءت عدالة الله الذى لا يرضى بالظلم وهو الحكم العدل الذى أحصى كل شىء عدداً وأحاط بكل شيء علماً..وانتصر لدعوة المظلوم التى قال لها..«وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين»..فقد ينساك القريب.. ويهجرك الصديق.. ويجحد فضلك من أسديت إليه المعروف..وقد تقسو عليك الدنيا..لكن رحمة ربك وحدها تحتضنك دوماً فى الشدة..وتملأ قلبك بالطمأنينة والسكينة وتغمرك بالأمل والتفاؤل وتضيء لك ظلمات الطريق الذى أطفأه ظلم العباد بعضهم لبعض..فما أجمل أن ترعاك عناية الله وتمتد إليه لتدفع عنك كيد الخصوم وشماتة اللئام وأذى الأشرار لتقول لك: «اطمئن إن عدل الله موجود لا يغيب لحظة عن الوجود.. سبحانه مالك الكون، مدبر الأمر يقول لعباده» «ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم» (فاطر:2).
ما عشته أنا وغيرى من القيادات الصحفية فى تلك الأيام جزء من تاريخ الصحافة وربما السياسة، فرغم أننى بادرت طوعاً بتقديم استقالتى بعد أحداث يناير 2011 وأصررت عليها ولا أنسى يوم أن جاءنى مديرعام مؤسسة دار التحرير وقتها الزميل يسرى الصاوى (وهو حى يرزق) وقال لى : ليه تستقيل يافندم وإحنا عندنا ما يكفينا لمدة 6 أشهر أجور ومرتبات من عوائد الإعلانات وغيرها..فما كان منى إلا أن قلت له: الاستقالة هنا واجبة..فكيف يطلب الميدان تغيير القيادات الصحفية والإعلامية بينما نصر نحن على البقاء فى مناصبنا وتحدى إرادة الناس..؟!
وكم كانت تلك الأيام كاشفة لأشياء كثيرة لا تُنسي، فلم تكن استقالتى هرباً من المسئولية كما ظنَّ البعض، ولا تراجعًا عن المواجهة بل كانت قراءة استباقية لمشهد ملتبس ومضطرب لم يكن لأحد أن يتنبأ بمساراته، فضلاً عن عواقبه ونهاياته؛ فالانفلات قد ضرب كل شىء، والفوضى زحفت إلى كل مكان والركود قد ظهرت إرهاصاته ولم يكن من الحصافة التجديف ضد تيار جارف لا تعرف اتجاهات بوصلته ولا متى يهدأ ويكف عن الفوران..!!