فى ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، يأتى الاحتفال بالذكرى الـ «12» لثورة 30 يونيو هذا العام، لنعيد قراءة الماضى والحاضر بمنظور المستقبل.. فالمنطقة العربية التى لم تفرغ بعد من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، اصطدمت بإشعال إسرائيل لحرب أخرى ضد إيران، فيما جاء وقف إطلاق النار بين الجانبين ليمنع المواجهات الدموية «مؤقتا»، وسط شكوك عديدة تحمل فى طياتها احتمالية عودة تل أبيب للحرب ضد طهران، أو افتعالها لأزمة جديدة مع إحدى دول المنطقة، ونشوب حرب ثامنة «محتملة» بعد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأن بلاده خاضت «سبع» حروب فى غزة والضفة وسوريا ولبنان واليمن والعراق ثم إيران، فى إشارات متتالية بأن إسرائيل لن تتوقف عن الحروب والدمار، وعن محاولات تنفيذ مشروعها الصهيونى بضرب وتقسيم المنطقة الذى أفشلته مصر بثورة 30 يونيو 2013 وبتغييب جماعة الإخوان الإرهابية عن المشهد تماما.
>>>
وحقيقة فإن الجماعة الإرهابية التى استغلت تداعيات أحداث يناير 2011 ووصلت للحكم فى ظروف استثنائية، كادت خلال عام حكمها الأسود أن تورط مصر فى العديد من الأزمات الداخلية والخارجية ضمن مشروع صهيونى نعلمه جميعا ويتلخص فى إشعال ما يسمى بثورات الربيع العربى، واستغلالها فى إثارة الفوضى ونشوب حروب أهلية فى دول عربية بعينها، ينجم عنها فى النهاية إسقاط مؤسسات هذه الدول وإضعاف جيوشها وخروجها من دائرة الصراع العربى – الإسرائيلى، وهو ما حدث بالفعل فى بعض الدول الشقيقة ونجت منه مصر بفضل الله عز وجل ثم بإرادة المصريين، وانطلقت الثورة بعد إزاحة الجماعة الإرهابية عن المشهد، فى تحقيق أهم أهدافها بانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيساً للجمهورية فى العام التالى (2014) ثم هزيمة التنظيمات الإرهابية فى سيناء وغيرها من المحافظات المصرية.
>>>
الحقيقة الثانية أن عبقرية ثورة 30 يونيو لم تقتصرعلى إنقاذ مصر من الإرهاب وانما انطلقت وبإرادة فولاذية للقيادة السياسية فى بناء دولة عصرية حديثة وفق رؤية 2030 التى اقرها الرئيس السيسى عام 2016، فى خطوة مهمة تؤكد وعى الرئيس بمكانة مصر فى المنطقة والعالم وبكل ما يدور حولنا وبالمتغيرات الدولية والإقليمية والتحديات القريبة والبعيدة من بلادنا، ومن ثم فقد أكدت هذه الرؤية أن الدولة تضع أولوية قصوى للأمن القومى بمفهومه الشامل كضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ عليها ويشمل ذلك ضمان الأمن الغذائى والمائى وأمن الطاقة المستدام والاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والبيئى والأمن المعلوماتى «السيبرانى» وتأمين الحدود المصرية ومكافحة الجريمة المنظمة.
>>>
الحقيقة الثالثة أن الدولة ومن خلال رؤية 2030 بدأت تنفيذ مشروعها التنموى العملاق والذى تضمن تطوير البنية التحتية وإحداث طفرة كبيرة فى الطرق والكبارى وكل وسائل النقل الحديثة، كذلك تطوير خدمات التعليم والصحة والتوسع فى الرقعة الزراعية وتوطين الصناعة، فضلا عن إطلاق المبادرات والمشروعات لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين بالقرى والنجوع، إلى جانب الإسراع بتطوير القوات المسلحة وتزويدها بأحدث الأسلحة وبأفضل وسائل التدريب، وهنا لابد من التأكيد على أنه لولا إنجازات دولة 30 يونيو لما تمكنت مصر من مواجهة الأزمات والتحديات التى مرت بالمنطقة والعالم، أيضا لولا تطوير القوات المسلحة لما استطاعت مصر التصدى لمخطط تهجير سكان غزة إلى سيناء والمستمر حتى الآن والذى يستهدف فى الأساس غلق ملف القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه المشروعة ومن دولته المستقلة.
>>>
الحقيقة الرابعة: أن دولة 30 يونيو نجحت فى إعادة الثقة فى دور مصر ومكانتها فى العالم والاقليم بعد التداعيات الرهيبة التى خلفتها أحداث يناير 2011، كما نجحت فى إعادة رسم السياسة الخارجية المصرية على أسس صحيحة فى مقدمتها: حجم مصر وموقعها الاستراتيجى وقدراتها البشرية والأمنية الهائلة والتى تؤهلها لإقامة علاقات متوازنة مع كافة القوى فى العالم، يمكن من خلالها تحقيق مصر لمصالحها العليا دون المساس بسيادتها ودون التدخل فى قراراتها السياسية أو شئونها الداخلية، كذلك عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة فى العالم.
>>>
فى كلمته بإحدى المناسبات الوطنية، قال الرئيس السيسى: إن تعظيم قدرات القوة الشاملة للدولة على رأس أولويات الدولة المصرية التى استشرفت آفاق المستقبل برؤية عميقة للأحداث وبنظرة ثاقبة للمتغيرات والتطورات الدولية التى ثبت لها يقينا أنه من أراد السلام فعليه بامتلاك القوة اللازمة القادرة على الحفاظ عليه وحمايته»، ودون شك فقد نجح الرئيس بعبارته هذه فى تجسيد الواقع الذى نعيشه والذى يتطلب منا المزيد من الوعى بالتحديات المحيطة، والمزيد من الالتفاف حول قيادتنا السياسية وجيشنا العظيم، لحماية استراتيجتنا السلمية، والاستعداد لمواجهة تداعيات أى حروب قد تشتعل بالمنطقة.