كانت الحياة البرلمانية فى مصر علامة على الحضارات المصرية على امتداد تاريخها.. وفى القاهرة يقف شامخاً فى قلبها مبنى مجلس النواب وهو الشاهد الحقيقى على تلك الحياة بمبناه وحجراته وأوراقه وصوره التذكارية، ومن الممكن القول إن هذا المبنى العريق جزء من القاهرة الخديوية.
فى عام 2002 صدرت موسوعة القاهرة الخديوية، التى حملت بين أوراقها صوراً ومعلومات عن أجمل مناطق القاهرة «وسط المدينة» التى وضع لها مخطط لتطويرها والاحتفاظ بمعالمها وملامحها القديمة التى تمنحها عراقة وإبداع. القاهرة الخديوية لم يبنها الخديو إسماعيل وحده، بل هى من عهود الخديوية الثلاثة.. إذ عمل إسماعيل على نقل معالم باريس إلى القاهرة، فيما سُميت بالقاهرة الإسماعيلية، ثم جاء الخديو توفيق فأنشأ التوفيقية شمال القاهرة الإسماعيلية، وبعده جاء الخديو عباس حلمى الثانى الذى أسس المتحف المصرى والعمارات الخديوية بشارع عماد الدين وبنك مصر وقامت محافظة القاهرة بتسجيل ما لا يقل عن 500 مبنى تاريخى وأثرى فى القاهرة الخديوية وحدها، وكانت خطة الخديو إسماعيل أن تكون القاهرة قطعة من أوروبا.. ووسط هذه المبانى والعمارة تم بناء مجلس الشعب المصرى فى وسط القاهرة من قبل الخديو إسماعيل، حيث يحمل مبنى البرلمان المصرى قيمة تاريخية ومعمارية شامخة، كما يعد رمزاً لقيم ومبادئ كافح من أجلها الشعب المصرى سنين طويلة. شهد هذا المبنى الذى يضم مجلس النواب والشوري، أحداثاً مهمة فى تاريخ مصر الحديث ومسيرة العمل الوطنى بها.. وافتتح عام 1924 ليستقبل أول برلمان مصرى حديث بعد صدور دستور عام 1923 ليشهد هذا المبنى الجلسة الاولى لمجلس الشيوخ والنواب يوم السبت 15 مارس عام 1924، ليصبح شاهداً على وقائع اكثر من سبعين عاماً من الحياة السياسية والنيابية فى مصر.. وشيد المبنى على طراز جمع بين الأساليب المعمارية الأوروبية فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وبين التأثيرات الإسلامية فى العمارة والفنون، ويتكون التصميم المعمارى للمبنى من قاعة رئيسية مستديرة يبلغ قطرها 22 متراً وارتفاعها 300 متر تعلوها قلة يتوسطها جزء مستدير مغطى بالزجاج وهذا الجزء تعلوه شخشيخة عليها قبة صغيرة منخفضة والشخشيخة بها أربعة شبابيك وعلى القبة من الخارج أشرطة بارزة تمثل وحدات زخرفية بارزة متكررة.. أما مركز الدائرة من الداخل، فتحيط به زخارف نباتية تمثل الطراز الذى ساد فى العشرينيات وقت البناء، أما القاعة الرئيسية فتتكون من طابقين بكل منهما شرفة وفى صدر القاعة شعار الجمهورية ثم منصة الرئاسة ويلحق بالقاعة عدة أجنحة منها البهو الفرعونى واستراحة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.. وفى التاريخ الحديث بدأت الحياة البرلمانية فى وقت مبكر من عام 1824 بينما لم تبدأ الحياة النيابية التمثيلية حتى عام 1866، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولي، اندلعت الثورة المصرية عام 1919 داعية إلى الحرية والاستقلال والديمقراطية، التى أسفرت عن إعلان 28 فبراير الذى اعترف بمصر كدولة مستقلة، وبناء على هذا الوضع تم إصدار دستور مصرى عام 1923 ليستبدل بدستور 1930 لمدة ٥ سنوات قبل استعادته فى عام 1935، حيث اعتمد نظام التمثيل البرلمانى على أساس الفصل والتعاون بين السلطات، وكان البرلمان يتكون من مجلسى الشيوخ والنواب، حيث عاشت مصر خلال هذه الفترة تجربة رائعة غنية بالممارسات السياسية والديمقراطية.. وقد شهدت أروقة هذا المبنى جلسات ونقاشات واعتراضات وموافقات أشرف عليها أهم شخصيات سياسية مصرية منهم عبداللطيف البغدادى وأنور السادات وحافظ بدوى وسيد مرعى وشوقى أبوطالب ومحمد كامل ليلة ورفعت المحجوب وفتحى سرور، ليظل شاهداً على التاريخ المصرى القديم والحديث.