عاشت السينما مع المصريين زمن ثورة يوليو 1952، ولكنها انتظرت حتى انتهت الاحداث، وخرج الملك والنظام كله، وبعدها بدأ السينمائيون يفكرون فى التعبير عن الثورة فرأينا فيلم «رد قلبى» المأخوذ عن قصة للكاتب الكبير يوسف السباعى أخرجها عز الدين ذوالفقار وكان أبطالها يمثلون حقا أسباب الثورة فى هذا الزمن، وهى الفروق الحادة بين البشر فى بلد واحد، بين «عبدالواحد» الذى يعمل جناينى فى حديقة قصر احد الأمراء ويعيش فى غرفة بعيدة داخل الحديقة مع زوجته واولاده، وبين صاحب القصر الأمير يوسف كمال وابنه وابنته الأميرة انجي، وهكذا تمتد احداث الفيلم الذى نحفظه كلنا بأحداثه التى لا تنسي، وأبطاله بداية من الأب عبدالواحد بأداء حسين رياض وأبنائه اللذين كبرا وأصبحا ضابطين «شكرى سرحان وصلاح ذو الفقار» فى زمن وعهد ثورة يوليو، ولأن الافلام هى ابنة زمنها بكل ما فيه، فإننا بعد ستين عاما رأينا أفلاما اخري، مختلفة تماما عن رد قلبي، والأيدى الناعمة، وفى بيتنا رجل، والباب المفتوح وغيرها التى عبرت عن ثورة يوليو فى عيون اهل السينما، افلام جديدة عبرت عن تغيير كبير فى كل شيء، من نوع السينما الى رؤية صناعها، الى قدرتها على جذب المزيد منهم لتقديم رؤاهم فى حدث كبير هو ثورة شعبية بدأت من ميدان التحرير، ولكن «اخوان الشر» استطاعوا النفاذ إليه، والاستيلاء على حكم كانوا يدبرون له منذ زمن طويل، ولمدة قصيرة جدا فى الحكم اكتشف المصريون ماذا يريدون من مصر، واين يذهبون بها ليقوم الشعب كله بثورة عارمة يوم 30 يونيو 2013، وتتحول شوارع مصر الى تحصينات شعبية ضد الاخوان فى كل مكان، وبالطبع كان لابد ان ينتهى الأمر بخروج المصريون إلى الميادين لخلع الجماعة الإرهابية، واختيار إدارة وطنية للبلاد بقيادة الرئيس السيسى، ومن هنا ألهمت هذه الاحداث صناع الافلام لتقديم شهاداتهم عنها، فى افلام قصيرة، تسجيلية ووثائقية بدأت من ثورة الميدان مثل أفلام «اسمى ميدان التحرير» و«الكعكة الحجريّة» وغيرها، لكن المشكلة هنا اننا كنا مشغولين بالثورة فلم نرى جيدا هذه الافلام .
من «بعد الموقعة» إلى «الشتا اللى فات»
فى فيلم «بعد الموقعة» يفاجئنا المخرج يسرى نصر الله بأحداث تعبر عن احد القصص المهمة للثورة الجديدة وهى قصة موقعة الجمل وكيف شارك فيها شباب بدون معرفة حقيقتها ومنهم بطل الفيلم الذى صدق من قالوا له ان الثوار خونة وعليه ان يشارك فى الحرب عليهم وبعد مغامرات عديدة ومواقف صعبة يكتشف الحقيقة، وفى فيلم «الشتا اللى فات» للمخرج إبراهيم البطوط نرى ثلاث قصص لثلاث شخصيات تأثرت بأحداث ثورة يونيو، الاولى لضابط بمباحث امن الدولة والثانية لمقدمة برامج تليفزيونية والقصة الثالثة لمهندس كمبيوتر وعلاقة كل منهم بالثورة والشباب الذين شاركوا فيها، أما فيلم «18 يوم» فهو قد يكون الأكثر تعبيرا عن رؤية شباب السينما المصرية وشيوخها ايضا من خلال عشر قصص شكلت أجزاء الفيلم عن الثورة قدمها عشرة مخرجين ومخرجات هم شريف عرفة و«احتباس»، وكاملة أبوذكرى و«خلقة ربنا»، ومروان حامد وقصة «19-19»، ومحمد على و«ان جالك الطوفان»، وشريف البندارى و«حظر تجول»، وخالد مرعى و«كحك الثورة»، ومريم أبوعوف و«تحرير 2-2»، وأحمد عبدالله و«شباك»، ويسرى نصر الله و«داخلى خارجى» وأحمد علاء و«أشرف سبرتو» وقد قام بتمثيل هذه الأجزاء القصيرة أغلب نجوم السينما المصرية كمنى ذكى وهند صبرى وآسر ياسين وأحمد حلمى وإياد نصار وباسم سمرة وغيرهم، وايضاً افلام اخرى عن الثورة، وعن تداعياتها وأسبابها مثل فيلم «فبراير الأسود» إخراج محمد أمين وبطولة الفنان الراحل خالد صالح حول المشاكل التى يتعرض لها العلماء، وفيلم «نوارة» تأليف وإخراج هالة خليل وبطولة منة شلبى ومحمود حميدة عن الوزير السياسى الذى يهرب وعائلته خارج مصر بعد الثورة تاركا قصره وأموره لخادمته الشابة التى تبقى وحدها لتكتشف مالم تتصوره أبدا عن الأسرة التى عملت عندها بإخلاص شديد، والحقيقة ان الثورة الجديدة فجرت الكثير من الأفكار والقضايا التى لم تقدمها السينما من قبل، والتى اراد التعبير عنها جيل جديد من السينمائيين فى مصر، برؤى وأساليب مختلفة، لكننا لم نرها بشكل جيد ربما لأننا فقدنا عدداً كبيراً من دور العرض فى مصر ومن هنا نتمنى ان يعاد عرضها علينا على شاشة تليفزيونية من خلال برنامج شبيه بالبرنامج الشهير «نادى السينما» الذى كان يعده يوسف شريف رزق الله وتقدمه درية شرف الدين، لأن هذه الأفلام تراث عزيز معبر عن زمن مهم من حياة مصر والمصريين. ولأنها عبرت عن أسباب ثورة 30 يونيو.