مع إعلان الرئيس الأمريكى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، دخلت المنطقة إلى منعطف جديد تماما، هذا المنعطف إما يقود إلى الاستقرار الحذر أو يقود إلى جولات جديدة من الصراع، وبعيدا عن تفاصيل الاتفاق الذى سارع ترامب بالإعلان عنه بعد ساعات من انتهاء فصول مسرحية «القصف الودود» بصواريخ فرط سياسية حاملة لرءوس دبلوماسية شديدة الانتشار، إذن كل ما كان يجرى أمام أعيننا كان بمثابة لقطات متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، ومسموح أن يراها الجمهور، لا ألمح بالطبع أن الحرب كانت مسرحية.
>>>
لم أقصد هذا بالطبع، فالقتال والقصف والخسائر والقلق الدولى كان حقيقيا، لكن إدارة الحرب والتعاطى مع أهدافها المحددة وخطط تحقيقها، كان فصلا جديدا فى الحروب الجديدة، كانت الحرب تدار من خلال أكثر من غرفة عمليات فى كل قارات الدنيا، فلم تقتصر غرف العمليات على طرفى الصراع، بل كانت هناك غرفة مركزية فى البيت الأبيض ومجموعة غرف فرعية فى طهران وتل أبيب والدول العربية فى الخليج والمشرق العربى ومصر والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين وباكستان وكوريا الشمالية، أتصور أن الحرب كانت بخططها وأهدافها وسيرها كانت على الهواء مباشرة.
>>>
وبمتابعة دقيقة لكل ما جرى يمكن أن نضع علامات تمييزية للحرب الإيرانية ــ الإسرائيلية التى كانت بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية حربا موعودة لتحقيق الغاية الكبرى وهى تحرير القدس والمسجد الأقصى وإقامة دولة فلسطينية مع فناء دولة إسرائيل التى أطلق عليها الملالى الإيرانيين «الشيطان الأصغر»، وبالطبع معروف لدى القاصى والدانى أن أمريكا فى الثقافة الإيرانية الخومينية هى «الشيطان الأكبر»، أما الحرب بالنسبة لإسرائيل فهى حرب بقاء وليست حرب توسع.
>>>
فإيران التى تستهدف إزالة دولة الكيان الإسرائيلى من الوجود تسعى لامتلاك قنبلة نووية وتعلن من خلال حرسها الثورى إنها تستهدف دولة الكيان، إذن نحن أمام طرفى صراع يملك كل طرف منهما مسوغات استمرارها، على الجانب الآخر من النهر لدينا إدارة أمريكية لديها أجندات سرية فى المنطقة والعالم، الجزء المعلن منها فقط هو ما يخص دولة إسرائيل وهو بوضوح الدعم الكامل والمطلق وغير المشروط لإسرائيل – ظالمة أو مظلومة – فى كل الأوقات ومع كل الأطراف، الجديد هنا أيضا أن الإدارة الأمريكية الحالية تضع فى معادلة الصراع مكوناً جديداً ــ قديماً، ألا وهو الدين.
>>>
وكأن ما يقوم به ترامب ما هو إلا رجع صدى لتعليمات السماء، وجاءت اللقطة الكاشفة لهذه الإشارة حينما كان يهم ترامب بدخول البيت الأبيض لاتخاذ قرار ضرب مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان الإيرانية وقف فجأة ونظر إلى السماء وكأنه يخبر الرب بما سيفعل ويأخذ مباركته، نفس السلوك اتخذه نتنياهو منذ عام 1996 وهو يستلب نصوصا مقدسة من العهد القديم ويطرحها فى غير مواضعها، استخدم سفر أشعياء لمحاولة وضع القداسة على حروبه فى المنطقة من خلال حديثه عن أهل الظلام وأهل النور، والعماليق ووجوب قتالهم وإبادتهم.
>>>
إلى آخر هذه الخزعبلات التى وجدت رواجا بين الصهيونية المسيحية واليهودية، بيد أن إنشاء ترامب مكتبا أسماه «مكتب الإيمان» فى البيت الأبيض ما هو إلا ظاهر الأمر، إذن نحن أمام حرب لها ثلاث مميزات تميزها عن غيرها من الحروب الجارية، أولا: الحرب القائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى وثورة الاتصالات، ثانيا: الحرب القائمة على النساء الاستخباراتى والاختراق المعلوماتى للخصم، ثالثا: الحرب التى تقوم على أسس إيديولوجية دينية تستلهم شرعيتها من نصوص أغلبها مشوه وفى غير موضعه.
>>>
عموما نحن أمام عالم ما عاد يعرف الحقيقة كاملة رغم الثورة المعرفية الهائلة، وكل ما علينا ان نعكف على دراسة كل ما جرى خلف الكواليس وأمام أعيننا، نتعلم الدرس ونأخذ العظة، وكما تقول الحكمة «أنا لست غبيا حتى أتعلم من أخطائي، على أن أتعلم من أخطاء الآخرين» وأقولها غير مغلفة، إلى أى مدى اخترقت إسرائيل بأجهزتها الاستخبارية بلداننا العربية؟ السؤال هنا ليس هل اخترقت أم لا، لكن السؤال هو إلى مدى قد حدث هذا؟ ثم نأتى للأهم وهو كيف نواجه هذا؟