نجحت مسرحية «آرتيست» والتي يواصل مسرح الهناجر تقديمها للموسم الثالث في أن تحقق لافتة «كامل العدد» بجمهور كبير من مختلف الطبقات والأعمار واللافت للنظر هو حرص عدد كبير من نجوم الفن على حضور العرض الذي يمس جانبًا إنسانيًا كبيرًا في حياتهم خاصة الرواد الأوائل أو نجوم الزمن الجميل الذين أعطوا حياتهم للفن وكل ما كسبوه أيضًا أعطوه وصرفوه على الفن الذي تحملوا من أجله الكثير في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات حين كان المجتمع ينظر للفن على أنه حرام ومهنة لا تليق بالعائلات بل إن أي إنسان كان يمتهن الفن كانت ترفض كثير من العائلات أن تزوجه ابنتهم
تحمل الفنانون الكثير وكثير منهم من هربت من منزل أسرتها ومنهن من دخلت الفن دون رغبتهم وكان طريق البنات أصعب كثيرًا ورغم حب وعشق الفن الذي أعطوه عمرهم وأموالهم إلا أن أغلبهم ماتوا فقراء بعضهم لم يجد ثمن الدواء وبعضهم لم يجد مسكنًا في آخر أيامه ومنهم فاطمة رشدي التي كان يُطلق عليها «سارة برنار الشرق» والتي عاشت في نهايتها في غرفة وحيدة حتى وفر لها الفنانون وعلى رأسهم الراحل فريد شوقي مسكنًا يحفظ كرامتها في آخر أيامها وآمال فريد وإسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري قصص كثيرة تدمي لها القلوب
عرض «آرتيست» وضع يده على الجرح لكثير من النجوم فكانت زينات صدقي والتي مرت حياتها بكثير من محطات الألم والمعاناة بداية من هروبها من أسرتها لأنها عشقت الفن ولم تتخيل نفسها إلا فنانة وصعدت السلم درجة درجة وسافرت إلى لبنان لتعمل راقصة ومغنية حتى دخلت السينما والمسرح وعملت مع نجيب الريحاني في مصر وإسماعيل ياسين وكانت قاسمًا مشتركًا في أغلب الأفلام وأصبح لها إفيهات ولزمات يحفظها المشاهدون حتى الآن ومنها «كتاكيتو بني» ولزمتها في فيلم «ابن حميدو» وفي «شارع الحب» و»حلاق السيدات» وكثير من الأفلام ورغم النجاح الكبير والشهرة كانت آخر أيامها مأساة بمعنى الكلمة حين قلّ عرض الأعمال عليها وانحصرت عنها الأضواء فكانت تعيش تعيسة في بيتها المتواضع بشارع عماد الدين وحتى عندما ابتسم لها القدر بتكريم من الرئيس السادات لم تجد فستانًا مناسبًا تحضر به التكريم بل إن أمنيتها أن تحج لم تستطع أن تحققها
تفاصيل كثيرة في حياة زينات كنت أتمنى أن أراها في العرض الذي جسدت من خلاله الفنانة هايدي عبد الخالق شخصية زينات صدقي وبذلت فيها مجهودًا كبيرًا من أجل أن تصل إلى صوت وحركات وروح زينات بإحساس صادق ودراسة واعية للشخصية من فنانة تستحق أن تُسند لها العديد من الأعمال الهامة هايدي فنانة حقيقية صادقة في موهبتها التي تتحدث عنها فليس وراءها لجان إلكترونية ولا صفحات دعاية مثل ما نراه الآن فنانين لم نعرف حتى أسماءهم ولم نشاهدهم إلا على صفحات السوشيال ميديا ذلك العالم الافتراضي الذي يقدم لنا كل حالم بالشهرة هايدي فنانة لم تجد سندًا لها غير موهبتها الحقيقية ودراستها فقد دخلت الطريق من أبوابه الشرعية لم تفرضها غير موهبتها ونحن في حاجة إلى أمثال هؤلاء حتى ينصلح حال الفن إنسانة درست الفن وحصلت على العديد من الجوائز سواء في المسرح أو في التليفزيون لأنها حقًا مخلصة ومؤمنة بدور الفن وجاء دور زينات صدقي لتؤكد أنها فعلًا تستحق أن يلتفت لها القائمون على العملية الفنية مؤكدة أن لدينا مواهب كبيرة من خريجي أكاديمية الفنون فنانات وفنانين أصحاب مواهب حقيقية في حاجة إلى فرص بدلًا من فنانات السوشيال ميديا والفضائح والعالم الافتراضي
«آرتيست» نجح في أن يجذب المشاهدين محققًا نجاحًا كبيرًا لأنه عمل صادق رغم أننا كنا في حاجة أن نعرف الكثير والكثير عن زينات التي تزخر حياتها بكثير من الأحداث والمآسي كنت أتمنى من مخرج ومؤلف العرض محمد زكي أن يهتم بالكثير من تفاصيلها ورحلة حياتها ودخولها عالم التمثيل ودور الريحاني وتأثيره عليها وعملها مع إسماعيل ياسين وغيرها كنت أتمنى أن أرى تكريمها من الرئيس السادات أمامي على المسرح بدلًا من أن يكون مجرد صوت فقط خاصة والمشهد موجود في أرشيف تكريمات عيد الفن كنت أتمنى أن أرى كيف أصبح اسمها زينات ومن صديقتها المقربة كثير من التفاصيل عن صديقتها التي يُقال إنها خيرية صدقي التي ساعدتها في بداية حياتها الفنية وكانت الداعم الأول لها وشجعتها وعندما هربت زينات من أهلها إلى لبنان بسبب رفضهم لدخولها الفن كانت خيرية معها كما أنها كانت السبب في اختيار زينات لاسم «صدقي» عند انضمامها لفرقة نجيب الريحاني تفاصيل كثيرة كنت اتمني اراها في العرض عن حياة زينات نفسها في عماد الدين وغيرها فرغم إنسانية العرض يفتقد إلى التفاصيل خاصة وكثير لم يعلم عنها غير أدوارها الكوميدية لكن المتخصصين والفنانين يعلمون ذلك وذلك هو سر إقبال كثير من النجوم على العرض الذي لمس لديهم وترًا حساسًا لرحلة كثير من النجوم وكيف ضحوا وتحملوا وكيف أن التاريخ قد يعيد نفسه كثيرًا وكيف أن الفن لا أمان له وقد يجد الفنان نفسه فجأة كبر في السن وابتعدت عنه الأضواء كم هي فظيعة هذه المشاعر حين تعلو النجوم الذين عاشوا من أجل الفن وأعطوه كل حياتهم النجومية حين تنحصر عنهم ويهاجمهم الفقر والمرض والتجاهل بعد أن ندهتهم نُداهة الفن وحققوا الكثير من الشهرة والمال يهجرهم كل هذا ليموتوا يعانون الوحدة والألم وذلك هو سر بكاء الفنان محمود حميدة والذي شاهد العرض أكثر من مرة واصطحب أسرته أيضًا لمشاهدته وقد كانت دموع حميدة وكذلك عمرو سعد وزوجته وابنه والفنانة شيرين والفنانة منال سلامة والفنان أحمد أمين وصبري فواز
يقول محمود حميدة والذي تقابلنا معه وسط الجمهور: أنا شفت عروض كثيرة على مستوى العالم لكن هذا العرض به كافة المقومات والمواصفات التي تؤهله أن يستمر مواسم كثيرة وأن يُعرض لسنين أنا عشت مشاعر كثيرة في العرض مُت وعشت مع كثير من ممثلي العرض ورغم أن فيهم الهواة والذين يمثلون لأول مرة إلا أني شعرت أنهم كلهم ممثلون كبار فخور ومستمتع جدًا بالعرض وشفته كذا مرة وبكيت من أول العرض لآخره كذلك ضحكت كنت في حالة فرح كبير جدًا
أما نجمة العرض الفنانة هايدي عبد الخالق والتي حصلت على العديد من الجوائز كأحسن ممثلة في العديد من المهرجانات فقالت: اشتغلت على العرض من سنة 2019 وكنت خايفة جدًا من التجربة خصوصًا حين تكون تجربة لسيرة ذاتية لفنانة محبوبة والناس فاكرها بيكون النجاح صعب أوي لكن النجاح اللي حققته زينات صدقي نجاح فعلًا طعمه حلو أوي وأنا عايشة إحساسا جميلا جدًا في هذا العرض والـ»آرتيست» المقصود بيهم الفنانين اللي لهم نفس الظروف حتى فنانين على قيد الحياة بلا عمل يشعرون نفس الإحساس فالعمل لم يحمل اسم زينات صدقي لأنه يخص كل الفنانين في العالم وأنا فخورة وسعيدة أنني جزء من هذا العرض بهذا النجاح الكبير الذي يحققه رغم أنني كنت خايفة أقرب من السيرة الذاتية وكنت مرعوبة بس الحمد لله التوفيق من الله والفضل للمخرج والمؤلف ولكل النجوم الكبار العظماء بالعمل