الأهالي يستغيثون من إهمال المسئولين وتلاعبهم
بعد 48 ساعة متواصلة من عمليات البحث، أنهت قوات الحماية المدنية بالقاهرة عملها في رفع أنقاض العقارات الثلاثة المنهارة بمنطقة حدائق القبة. ارتفعت الحصيلة النهائية للحادث إلى 12 ضحية وأكثر من 20 مصابًا وناجيًا في تلك المأساة التي أدت إلى وفاة أسر بأكملها وتشريد آخرين. روى كل منهم قصصًا مأساوية بدموع الحسرة والألم بعد تشريدهم وفقدان كل شيء في غمضة عين.
الحادث المروع
كشف الحادث المروع عن تقاعس الأحياء وإهمالها الشديد في متابعة عملها، وعدم تنفيذ قرارات الإزالة والتنكيس، والتصدي للملاك الجشعين الذين يقومون بالبناء دون وجه حق فوق مبانٍ متهالكة وقديمة، لتنهار فوق سكانها ظلمًا وعدوانًا.
يأتي ذلك في غفلة من بعض المسؤولين الذين يكتفون بالجلوس داخل مكاتبهم المكيفة، ضاربين بالقانون عرض الحائط، ورافضين الاستجابة لصرخات واستغاثات “الغلابة”. هذا ما أكده كثير من الأهالي وهم في حالة غضب بعد تكرار حوادث انهيار العقارات، وآخرها ما حدث بالسيدة زينب وبعدها بساعات بحدائق القبة، ليكون ذلك بمثابة “جرس إنذار” بسرعة تشديد الرقابة حرصًا على أرواح الأبرياء.

إهمال المسئولين
أكد الأهالي أن معظم المنازل المتهالكة والقديمة والصادر بحقها قرارات إزالة، يرفض سكانها المتضررون تركها دائمًا رغم خطورة ذلك على حياتهم، لعدم توفير مساكن بديلة لهم من المحافظة كما كان يحدث من قبل. هذا يضطرهم للاستسلام لقدرهم والعيش فيها برعب وفزع ليلًا ونهارًا ما تبقى من العمر، دون أن يشعر أحد بمأساتهم، حتى سقوطها فوق رؤوسهم ودفنهم أسفلها في مشاهد مرعبة. والسبب هو تقاعس أولي الأمر الذين يكتفون “بالفرجة” ولا يتحركون إلا بعد “الخراب والدمار” وفوات الأوان لتنفيذ ما كان يجب عليهم قبل حدوث الأزمة وضياع أرواح الأبرياء بتقديم المساعدات والشقق البديلة “والمواساة”. فهل هذا معقول؟
العقارات المنهارة
كل ذلك وغيره الكثير من المآسي المتكررة شهدها حادث انهيار العقارات الثلاثة خلال الساعات الماضية. فوجئ سكانها مع اقتراب موعد صلاة الجمعة وأثناء استعدادهم لها، وسط جو من البهجة والسعادة، باهتزاز الجدران و”طقطقة” الأسقف. ليتبدل الحال وتصيبهم لحظات رعب قاسية، انهارت بعدها العقارات تباعًا لتصبح كوم تراب فوق أجسادهم وهم يحتضنون بعضهم البعض، وهو ما كانوا يخشون حدوثه. لتعلو بعدها الصرخات ويغطي الدخان الكثيف والأتربة سماء المنطقة، وتحدث حالة من الهرج والهياج من هول الصدمة وبشاعة الموقف الذي حدث دون سابق إنذار وكأنه كابوس وحلم يصعب تصديقه، ليعيشوا في أحزان لا تنتهي.

عمليات الإنقاذ
فور إبلاغ شرطة النجدة بانهيار العقارات بشارع أبو سيف، انتقل إلى مكان البلاغ رجال المهام الصعبة في مثل تلك المواقف، وهم قوات الإنقاذ بإدارة الحماية المدنية بالقاهرة. تواجدوا سريعًا بموقع الحادث بمعداتهم لفرض كردون أمني حول المكان والتعامل مع الموقف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح بشرية، وهو ما نجحوا فيه بالفعل وسط تصفيق حاد من الحاضرين وهم في حالة قلق وتوتر. استمرت بعدها عمليات البحث المتواصل باستخدام أجهزة تنصت والكلاب البوليسية المدربة التي تساعد في تحديد مكان الضحايا الذين تم انتشالهم ونقلهم بسيارات الإسعاف للمستشفى بعد التعرف عليهم وتحديد هويتهم بمعرفة الأهالي.
المحافظ ومدير الأمن
في موقع الحادث، تابع الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، يرافقه اللواء طارق راشد، مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن العاصمة، الموقف لحظة بلحظة مع باقي الأجهزة التنفيذية المعاونة. كشفت المعاينة الأولية أن العقارين المنهارين 20 و22 يتكونان من طابق أرضي و4 طوابق علوية، بخلاف العقار الثالث الذي تصدع وتعرض لانهيار جزئي. ورجحت المعاينة أن يكون السبب الرئيسي في الانهيار ناتجًا عن تهالكها كونها عقارات قديمة مبنية على حوائط حاملة، ومنها ما هو صادر له قرار إزالة منذ عدة أشهر، ورغم ذلك رفض السكان تركها لعدم وجود مساكن بديلة. وهو ما تؤكده اللجان الهندسية الفنية تنفيذًا لقرار النيابة التي عاينت الحادث على الطبيعة.

تعويضات فورية
وجه المحافظ بحصر الأسر المتضررة سريعًا لتوفير شقق بديلة لهم رحمة بهم، وبالفعل تم تسكين أربع أسر في البداية بمدينة 15 مايو جنوب العاصمة. في الوقت نفسه، تابعت الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، الموقف وطلبت من رئيس الإدارة المركزية للحماية الاجتماعية التنسيق مع مديرية التضامن بالقاهرة وفريق الإغاثة بالهلال الأحمر المصري لتقديم المساعدات العاجلة للمتضررين. وأكدت على ضرورة إجراء أبحاث اجتماعية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية لحصر الخسائر وتقديم الدعم المادي المناسب لهم لمساعدتهم في الخروج من تلك الأزمة.

قصص مأساوية
في الوقت الذي ظلت فيه قوات الإنقاذ بقيادة اللواء جمال ياسين تواصل عملها على مدى 48 ساعة كاملة حتى انتهت من المهمة الشاقة، تمكنت خلالها من انتشال ما يزيد على 30 شخصًا ما بين مصاب ومتوفى.
منهم الشاب أحمد عيسى وزوجته وطفلهما الرضيع الذين عثر عليهم في أحضان بعضهم البعض وتم انتشالهم جثثًا هامدة في مشهد حزين وسط بكاء ودموع الأهالي.
وآخر يدعى “أيمن”، وهو الناجي الوحيد لأسرته بعد فقدان زوجته وطفله “حمزة” وطفلته “حور” التي خرجت في البداية بعد عدة ساعات وهي على قيد الحياة لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة بالمستشفى متأثرة بإصابتها لتحلق بأمها وشقيقها، ويعيش “رب الأسرة” بحسرته بعد تلك الكارثة المدمرة له حتى آخر العمر.
وغير ذلك الكثير من القصص المؤلمة لضحايا آخرين، منهم ضابط شاب يدعى “ضياء” كانت تنتظره طليقته طوال عملية البحث في قلق وتوتر تدعو له بالخروج سالمًا من أجل أطفاله ولكن بلا فائدة.
و”الترزي رمزي” الذي فتح محله يوم الإجازة مبكرًا على غير العادة لتحاصره الأنقاض ويخرج جثة هامدة. تحرر محضر بالواقعة وصرحت النيابة بدفن الجثامين وتسليمها لذويها بعد فحص مفتش الصحة لها. ولا يزال التحقيق مستمرًا.