في زمنٍ تتسابق فيه القوى على حافة الهاوية.. تُثبت مصر مرةً أخرى أنها ركيزة الاستقرار وسط الإعصار.. بينما تندفع إسرائيل نحو توسيع رقعة الدم والخراب في مواجهة مفتوحة مع إيران.. تدفع شعوب المنطقة – وفي طليعتها الشعب المصري – ثمن هذه السياسات العبثية.. ورغم شراسة العاصفة تواجه القيادة المصرية الموقف بشجاعة الدولة.. لا بردود الأفعال المرتبكة.. تعطي القاهرة الأولوية لحماية الجبهة الداخلية.. والسيطرة على تداعيات حربٍ لم تكن طرفًا فيها ولكنها تتلقى شظاياها بكل وجع.
المعادلة واضحة: كل صاروخ ينفجر فوق طهران أو تل أبيب يرتفع مقابله سعر تكلفة الوقود في القاهرة ويزداد عبء الدعم للمحروقات وربما يتراجع الجنيه في البورصة ويقفز التضخم في الأسواق.
لقد تحوّل الصراع الإسرائيلي-الإيراني إلى محرقة اقتصادية تشمل كل بيت في مصر . الحرب التي تُدار بالصواريخ في السماء .. تُدار بالأسعار في المحال وعلى طاولات الفقراء.. إسرائيل التي تواصل عدوانها من دون كوابح تُشعل هذه الحرب الإقليمية بتعجرف القوة ودعم غربي مطلق متناسية أنها تزرع الدمار في تربة مشبعة أصلًا بالأزمات.
لكن في مواجهة هذا الجنون.. ترفض الدولة المصرية الوقوع في فخ التصعيد أو الاستفزاز.. لم تستدرجها إسرائيل إلى مربع الفوضى.. ولم تخضعها الأزمات الاقتصادية إلى الانفعال أو التهوّر .. القيادة السياسية – بما تملكه من وعي بالمصالح العليا للدولة – تمارس ضبط النفس في الخارج والتحرك السريع في الداخل.. تعزيز احتياطي السلع وإجراءات لضبط الأسواق ومساعٍ دبلوماسية مكثفة لإطفاء نيران الحرب.. كل ذلك يعكس صورة دولة لا تستسلم للقدر .. بل تواجهه بصلابة وهدوء وتحمي شعبها من السقوط في دوامة الفوضى.
ورغم محاولات بعض القوى الإقليمية والدولية استخدام الأزمة لتأليب الشعوب على أنظمتها .. فإن الشارع المصري – برغم معاناته – يدرك أن الخطر الحقيقي لا يأتي من الداخل.. بل من دولة الاحتلال التي تُصرّ على جرّ المنطقة إلى حرب شاملة ظنًا منها أن قوتها العسكرية ستحصّنها من تداعيات ما زرعته أيديها.. لكن ما لا تدركه تل أبيب أن الشعوب لا تُهزم بالجوع.. بل تُستفزّ للغضب وأن من يلعب بالنار في الإقليم .. قد لا ينجو منها حتى لو احتمى بألف قبة حديدية.
في النهاية.. لا يمكن لأحد أن ينكر أن مصر تقف في مفترق طرق تاريخي.. تواجه فيه العواصف بسياسة الدولة لا بمنطق الميليشيات.. وتضع أمن مواطنيها فوق كل اعتبار.. وإذا كانت إسرائيل قد اختارت لغة الدم.. فإن مصر اختارت لغة الدولة.. الكلمة عندما تنفع.. والصمت عندما يكون حكمة والحزم عندما تقتضي المصلحة.. ومثلما انتصرت في معارك دبلوماسية وسياسية سابقة.. فإنها اليوم تمضي على نفس الدرب… بثقة ومسؤولية وإيمان لا يتزعزع بأن الوطن فوق الجميع..
حفظ الله مصر قيادةً وشعبًا.