فى زمنٍ تتسارع فيه اللحظات كأنها تركض هاربة من عباءة الزمن، وفى عالمٍ لم يعد يحكمه الحديد والنار، بل تحكمه الخوارزميات والعقول الاصطناعية، تتسلل إلينا ملامح الغد فى هيئة «ذكاء» لا ينام، لا يشعر، لكنه يفكر ويخطط، بل وينافس ما بين همسةٍ من روبوت فى معملٍ بأقصى الغرب، وخطوةٍ مترددة من محررٍ فى موسوعة «ويكيبيديا»، تتصارع الرؤي: هل نفتح الأبواب كاملة أمام الذكاء الاصطناعي؟ أم نغلقها قليلاً لنستعيد صوت الإنسان؟
شركة ميتا، تلك العملاقة التى أبهرتنا يومًا بعوالم افتراضية، تعود اليوم لتخوض معركة شرسة لا ضد منافس، بل ضد الزمن ذاته. بخطى متسارعة تضخ خمسة عشر مليار دولار وتستدعى «الذكاء الفائق»، باحثة عن قفزة نوعية تُعيد لها هيبتها، رغم الضجيج، لا تزال تلعب دور «اللاعب المتأخر وفى الزاوية الأخري، تظهر ويكيبيديا كأم حنون تخشى على أطفالها من يد غريبة. لم تقبل أن يكتب الآلة مكان الإنسان، و الذكاء الاصطناعي. رفضت بصوت محرريها الذين قالوا: «دعوا الموسوعة تحتفظ بروحها،!»
وهنا. وسط هدير الأجهزة، وصراع الشركات، وتنمّر الخوارزميات، ينهض السؤال الأبدى
هل سنبقى سادة على هذه التكنولوجيا؟ أم سنستيقظ يومًا ونجد أنفسنا ضيوفًا فى عالم صنعناه بأيدينا؟
قد يبدو الذكاء الاصطناعى آلة لا روح لها، لكنه فى الحقيقة مرآة… تعكس أحلامنا، وأوهامنا، ومخاوفنا.
وما بين «الزجاج السائل» الذى أعلنته أبل، و»الطموحات الفائقة» لميتا، و»التمرد الهادئ» لويكيبيديا، نرى لوحة عالمنا الجديد: لوحة مرسومة بحبر غير مرئي، عنوانها الوحيد: «من يكتب الغد؟
وسط هذه الطفرة الرقمية، ينسى كثيرون أن الذكاء الاصطناعى ليس مجرد أكواد وآلات، بل انعكاس دقيق لطبيعتنا البشرية. فحين نُعلّمه، نحن لا نغرس فيه المعلومات فحسب، بل نغرس القيم، والتحيزات، وحتى أحلامنا الصغير هل خطر ببالنا أن هذا «الذكاء» ما هو إلا نسخة رقمية منا؟ نسخة صامتة، لكنها تراقب، تحلل، وتتعلم، وربما فى يومٍ ما… تحكم منصات التواصل أصبحت تُسيّرها خوارزميات تحدد لك ما تقرأ، من تصادق، ماذا تحب، بل ومتى تشعر بالحزن أو الفرح ومحرّكات البحث لم تعد بريئة، بل ذكية بما يكفى لتقودك إلى حيث تريدك أن تكون، لا حيث تختار ومع ذلك، لا تزال هناك بقع مضيئة فى هذا المشهد
الرماد ى نحن لا نرفض التقنية، لكننا نحتضن الإنسان أول لا بد أن نستعيد الوعي، لا كمستهلكين لهذه التقنية، بل كصانعين لها لأننا جزء من المستقبل بل نحن المستقبل نفسه فالذكاء الحقيقي… لا يصنع آلةً تهزم الإنسان، بل يصنع آلةً تحفظ للإنسان جوهره