أواصل الحديث عن الإستراتيحية الوطنية المصرية للتصنيع التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى ويقوم بتنفيذها حاليا الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النقل والصناعة. وأتحدث اليوم عن عملية التصنيع باعتبارها قاطرة التنمية المستدامة فى مصر. فعلا إن التصنيع قاطرة التنمية فى مصر. وتتضح رؤية مصر الطموحة نحو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة فى العقد الأخير، مع إدراك عميق للدور المحورى الذى يلعبه قطاع التصنيع كقاطرة رئيسية لهذه التنمية، وهو ما يفسر الجهود الحكومية المتواصلة لدعم هذا القطاع وتطويره. لا يمثل التصنيع مجرد إضافة للناتج المحلى الإجمالي، بل هو المحرك الأساسى لخلق فرص عمل حقيقية ومنتجة، وهو أمر بالغ الأهمية فى ظل التحديات الديموجرافية التى تواجهها البلاد مع تزايد أعداد الشباب الداخلين إلى سوق العمل سنوياً. إن قدرة القطاع الصناعى على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من العمالة، بما فى ذلك العمالة الماهرة وشبه الماهرة، تساهم بشكل مباشر فى خفض معدلات البطالة، وتحسين مستويات المعيشة، وتوزيع الدخل بشكل أكثر عدالة، مما يقلل من الفجوات الاجتماعية ويعزز الاستقرار المجتمعي. علاوة على ذلك، يلعب التصنيع دوراً حيوياً فى زيادة الصادرات المصرية وتنويع هيكلها، وهو ما يقلل من الاعتماد على مصادر الدخل التقليدي، ويوفر العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع والخدمات الأساسية، ويساهم فى تعزيز احتياطى النقد الأجنبى للبلاد، مما يمنح الاقتصاد المصرى مرونة أكبر فى مواجهة الصدمات الخارجية. إن التوجه نحو تصنيع منتجات ذات قيمة مضافة أعلي، بدلاً من تصدير المواد الخام أو المنتجات الأولية، يعزز من القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية، ويفتح آفاقاً جديدة أمام الشركات الوطنية للتوسع والنمو.
كما أن العلاقة بين التصنيع والبحث العلمى والابتكار هى علاقة تكاملية لا يمكن فصلها. فالصناعات الحديثة تعتمد بشكل كبير على تطبيق أحدث التقنيات والنتائج البحثية، وهذا يدفع الجامعات والمراكز البحثية إلى توجيه جهودها نحو تلبية احتياجات الصناعة، مما يخلق حلقة إيجابية من التطور والتحسين المستمر. استثمار مصر فى تطوير البنية التحتية الصناعية، مثل إنشاء المدن الصناعية المتخصصة والمناطق الاقتصادية الخاصة، وتوفير الأراضى المرفقة بأسعار تنافسية، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية للمستثمرين، يعكس التزاماً حقيقياً بتوفير بيئة جاذبة للاستثمار الصناعي. هذه البنية التحتية المتطورة، بالإضافة إلى توفر الطاقة بأسعار تنافسية وتوافر الأيدى العاملة المدربة، تجعل مصر وجهة مغرية للاستثمارات المحلية والأجنبية فى القطاع الصناعي. ويعد برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى طبقته الحكومة المصرية خلال السنوات الماضية، والذى تضمن تحرير سعر الصرف وإصلاحات ضريبية وهيكلية، قد ساهم بشكل كبير فى تحسين مناخ الاستثمار بشكل عام، ومن ثم انعكس إيجاباً على القطاع الصناعي. كما أن التوجه نحو التصنيع الأخضر والمستدام، والذى يراعى الأبعاد البيئية والاجتماعية، أصبح ضرورة ملحة وليس مجرد رفاهية، لضمان استمرارية النمو الصناعى دون الإضرار بالموارد الطبيعية أو التسبب فى تلوث بيئي، وهو ما يتطلب استثمارات فى التقنيات النظيفة والممارسات الصناعية الصديقة للبيئة.
التكامل الصناعى بين مختلف القطاعات داخل الاقتصاد المصري، حيث يدعم كل قطاع الآخر. وعلى سبيل المثال، نمو قطاع التعبئة والتغليف يدعم الصناعات الغذائية والكيميائية، ونمو صناعة الآلات والمعدات يدعم جميع الصناعات الأخري، ويخلق شبكة إنتاجية قوية تزيد من مرونة الاقتصاد وقدرته على الصدي. كذلك تلعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر دوراً حيوياً فى التصنيع، فهى تشكل العمود الفقرى للعديد من الصناعات، وتساهم فى توفير عدد كبير من فرص العمل، وتتميز بمرونتها وقدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، ولذلك فإن دعم هذه المشروعات من خلال التمويل والتدريب وتقديم الاستشارات الفنية يعد أمراً ضرورياً لتعزيز مساهمتها فى التنمية الصناعية. إن التحول الرقمى وتطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والروبوتات، فى المصانع المصرية، يمكن أن يحدث طفرة نوعية فى كفاءة الإنتاج وجودة المنتجات، ويخفض التكاليف، ويزيد من القدرة التنافسية للصناعات المصرية فى الأسواق العالمية، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة فى البنية التحتية الرقمية وفى تدريب الكوادر البشرية على التعامل مع هذه التقنيات المتقدمة. إن التصنيع ليس مجرد قطاع اقتصادي، بل هو إستراتيجية تنموية شاملة تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وهو ما يجعل منه بالفعل قاطرة التنمية التى تدفع مصر نحو آفاق أرحب من الرخاء والازدهار.
وللحديث بقية