يبدو أن القرار الأمريكى بالتدخل المباشر فى الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية وتوجيه ضربات لطهران ومنشآتها النووية، بالغ الصعوبة والتعقيد، ويشهد انقسامًا بين كبار المستشارين للرئيس دونالد ترامب فمنذ عودته من اجتماعات مجموعة السبع، بدا الرئيس الأمريكى وكأنه سيقرر بدء الهجوم على إيران، وظهرت تصريحاته حول استسلام إيران دون شروط، لكن الاجتماع انتهى دون الإعلان عن أى شىء لكن التسريبات كشفت أن هناك انقسامًا وأن قرار استهداف إيران يحمل مخاطر كبيرة، ثم اتخذت تصريحات الرئيس ترامب منحنى آخر، فبعد الاستسلام دون شروط خرج ليقول على إيران الانخراط فى التفاوض، وتوالت بعد ذلك التصريحات المتناقضة ما بين التصعيد والتراجع، لتشكل غموضًا حول القرار الأمريكى لكن على ما يبدو أن القرار غاية فى الصعوبة وله تداعيات خطيرة على الجميع فى المنطقة وبالتالى تتبدد أحلام نتنياهو فى إعلان ترامب المشاركة الفعلية المعلنة فى الحرب وأنا أحد الذين يؤكدون أن واشنطن تشارك بالفعل وتدعم بشكل مطلق ولا محدود ولكن ما يتحدث عنه ترامب هو شكل مختلف وعنيف للمشاركة والمجاهرة، وربما تكون هذه التصريحات الترامبية والترويج للمشاركة الأمريكية وحشد الأسلحة والقوات الأمريكية، من حاملة طائرات ثالثة للشرق الأوسط أو قاذفات بى 52 أو مدمرات وطائرات للتزود بالوقود نوع من الحرب النفسية والضغط على إيران لقبول الاستسلام والتخلى عن برنامجها النووى أو التأثير على القرار الإيرانى، لكن السؤال ما الذى يجعل القرار الأمريكى صعبًا ومعقدًا ومترددًا كما يبدو.. فى ظنى أن أسباب ذلك كثيرة أبرزها تهديد طهران باستهداف المصالح والقواعد الأمريكية فى عدد من دول المنطقة التى بطبيعة الحال تخشى عواقب الهجوم على هذه القواعد وهو أمر بالنسبة لإيران أكثر سهولة من القصف الصاروخى لإسرائيل، بالإضافة إلى أن استهداف إيران لهذه القواعد ستكون خسائره وتداعياته باهظة ثم أيضا فإن قرار واشنطن بتوجيه ضربات لمركز «فودرو» للتخصيب ربما يحدث كارثة نووية، تؤثر بشدة على المنطقة وتتسبب فى خسائر فادحة، ويدخل الشرق الأوسط فى نفق مظلم، أيضا هناك تهديدات إيران بغلق مضيق هرمز أو تلغيمه لمحاصرة السفن والقطع البحرية الأمريكية، وسوف يسبب خسائر كبيرة على الصعيد الاقتصادى العالمى وارتفاع أسعار الطاقة، كذلك فإن هناك اجماعًا دوليًا على أهمية العودة للمفاوضات وأنها الطريق الوحيد لحل الأزمة.
أين الصين وروسيا وكيف تفكر بكين وموسكو فى نتائج وآثار الحرب على مصالحهما بالمنطقة، وخطورة أن تخرج واشنطن وتل أبيب منتصرتان فى المواجهة مع طهران، لأنه ضد مصالح الصين ، ومشروعاتها فى المنطقة.
تصريحات ترامب المتأرجحة ما بين التهديد والترغيب ما بين مطالب الاستسلام دون شروط أو أنه لم يغلق باب التفاوض أمام إيران، يمكن طبقا لقاعدة الاحتمالات والتى اراها ضعيفة أنها نوع من الخداع وكسب الوقت لحين حشد القوات الأمريكية المطلوبة لتنفيذ الضربة لأهداف حيوية ونووية داخل إيران، لكن يظل الاحتمال بعيدًا إذا تحدثنا عن خطورة إقدام الأمريكان على توجيه ضربات قاصمة لإيران بالقاذفات الإستراتيجية لتدمير منشآت نووية إيرانية فستكون هناك عواقب وخيمة، ودمار هائل فى المنطقة وتدخل أطراف فى الصراع لم تكن تريد التورط، كما أن المصالح الأمريكية ستكون فى خطر وفى مرمى الاستهداف الإيرانى، إذا تحدثنا عن احتمال استخدام طهران للقوات والعناصر البحرية أو تنفيذ عمليات من خلال حلفاء وأذرع، لتتحول المنطقة فى هذه الحالة إلى كتلة لهب، ربما تكون إدارة ترامب أشارت إلى الأوروبيين بإطلاق مبادرة للتفاوض وفى ظنى بدأت محاولات الخروج من المأزق بعباءة النصر المزيف وإيجاد مخرج لإسرائيل خاصة فى ظل ما تتعرض له من هجوم صاروخى طال مدنًا كثيرة أبرزها تل أبيب وحيفا، وأحدث دمارًا هائلاً، استهدف مواقع حيوية مدنية وعسكرية وخلق رغبة عارمة لدى الإسرائيليين لمغادرة دولة الاحتلال وأيضا حثت دول كثيرة رعاياها ومواطنيها لمغادرة إسرائيل بكل الطرق والوسائل المتاحة، خاصة وأن معظم الصهاينة باتوا يقيمون فى المخابىء فى ظل الصواريخ الإيرانية التى تطلق ليلاً ونهارًا.
ظنى أن القرار الأمريكى فى حالة ارتباك وهو ما تعكسه تصريحات ترامب وآخرها أنه يريد التأكد من أن الهجوم المحتمل يحقق بالفعل هدف تدمير برنامج إيران النووى ثم يعود إلى التهديد ثم يعاود الحديث عن التفاوض وهذا يعكس حالة من الحيرة والتردد والضغوط الإقليمية ووجود المصالح والقواعد.. لذلك فإن نواياه هى المفاوضات والاتصال بين ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكى إلى الشرق الأوسط وعباس عراقجى وزير الخارجية الإيرانى لذلك أتوقع أن النهاية السياسية والتفاوضية للحرب باتت تلوح فى الأفق فى ظل المعطيات على الأرض وعواقب الإقدام على قرارات تبدو فيها المغامرة بالمنطقة والدول الحليفة لأمريكا بل وعلى العالم، وأيضا فى ظل التهديد الإيرانى المتصاعد يوميًا على إسرائيل رغم ما حدث فى أول أيام الحرب التى بدأتها إسرائيل فى انتهاك صارخ لسيادة الدول ثم الزعم إسرائيليًا وأمريكيًا وأوروبيًا بحق دولة الاحتلال فى الدفاع عن النفس ولا أدرى أين هذا الحق لدولة عضو فى الأمم المتحدة أقدمت على مهاجهمة دولة دون وجه حق وهذا يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية وهو نفس السيناريو والأكذوبة التى تروجها دولة الاحتلال والأمريكان والغرب بأن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس فى عدوانها وحرب الإبادة التى تشنها ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة رغم استمرار القصف والقتل والحصار والإبادة والتجويع من قبل دولة الاحتلال، وفى ظنى ان نجاح الكيان الصهيونى فى انتهاك سيادة الدول والاحتلال والسيطرة على أراضيها وما إيران إلا حلقة جديدة سيؤدى ذلك إلى تمادى إسرائيل والأمريكان فى أحداث فوضى وعدم استقرار وسيطرة على الشرق الأوسط وصناعة أزمات وصراعات.
أخيرًا: القرار الأمريكى بإعلان المشاركة الفعلية وضرب المواقع النووية الإيرانية أمر يبدو صعبًا ومعقدًا وله تداعيات خطيرة وهو ما يتضح فى تصريحات ترامب فى ظل الانقسام الأمريكى والرفض الدولى والمخاطر الإقليمية المتوقع حدوثها.. لذلك الأقرب إنهاء الحرب بزعم تحقيق النصر.