فى لحظة بالغة التعقيد والتداخل، تتقاطع فيها المصالح الدولية بالإرادات الإقليمية، وتعلو فيها أصوات المدافع فوق كل خطاب، تأتى الحرب الإيرانية الإسرائيلية ـ التى لم تعد مجرد صدام هامشى بل أصبحت عنواناً لتحول خطير فى ميزان المنطقة ـ لتضعنا جميعًا، حكوماتٍ وشعوبًا، أمام سؤال وجودى: من يمتلك زمام الوعى؟ ومن يصوغ الخطاب؟ ومن يحمى الرأى العام من التزييف والتضليل؟. فى هذه اللحظة، لا يبدو السلاح وحده كافيًا لحسم المعارك، فالحرب لم تعد فقط تلك التى تدور على الجبهات، بل أصبحت حربًا ناعمة تدور رحاها فى العقول، فى العناوين، فى الشاشات، وفى كل ما يُقال ويُعاد تكراره دون تحقق أو تدقيق.
ما نراه اليوم هو تحوّل نوعى فى طبيعة الصراع الإقليمى، إذ لم تعد إسرائيل وإيران تكتفيان بخوض معارك الظل، بل انتقلت الأمور إلى حافة المواجهة المباشرة، والساحة لم تعد محصورة فى حدود الجغرافيا، بل امتدت لتشمل النفوذ والتأثير على الرأى العام العربى، وخصوصًا فى ظل حالة من السيولة المعلوماتية وانتشار الشائعات.. والإعلام العربى اليوم مطالب بأن يتحول من حالة التلقى والانفعال إلى حالة المبادرة والفعل، من خلال نقل الخبر الحقيقى والتفسير الموضوعى، والتحليل الذى لا يخضع لموجة ولا يسير خلف حملة، لأن أخطر ما نواجهه فى هذه اللحظة هو أن يتحول الإعلام إلى منصات ترويج غير واعية لمصادر معادية، تتقن فن التهويل والتشتيت وإثارة الذعر.
** أما المجتمع المدنى فهو القادر على الوصول إلى القواعد الاجتماعية، لا سيما فى المناطق المهمشة أو الأقل وعيًا، وهنا يصبح لمؤسسات المجتمع المدنى إن هى قامت بدورها ـ القدرة على مواجهة الشائعة، لا بالمعلومة فقط، ولكن بالتفاعل المباشر، والتثقيف، وصناعة شبكات ثقة بين الناس.
ومن الضرورى أن يتكامل دور الإعلام والمجتمع المدنى فى بناء خطاب وطنى جامع، يُخرج المجتمع من دائرة الاصطفاف الطائفى أو السياسى الضيق، إلى فضاء الانتماء القومى والهوية الجامعة.