هل الثقافة تكون منقذا من الجنون وعتمات الواقع، من أكاذيب السياسة وعنف صواريخ وقنابل الحرب، فإذا كانت الحرب هى أداة الفناء والموت فالثقافة والفن والابداع هى منابع الحب والإنسانية والحياه بعينها، اهرب بالنور القادم من الثقافة من مأس اللحظة الراهنة ومحاولات جر العالم إلى الهاوية وما أدراك ما هى، نار حامية.. إسرائيل كالعاهرة التى تحاول جر كل الشرفاء إلى الهاوية، تشعل المنطقة هنا وهناك من غزة وفلسطين المحتلة كلها إلى لبنان إلى سوريا إلى اليمن وأخيرا إلى إيران، تحاول جر العالم كله والمنطقة العربية والشرق الأوسط كله إلى انفجار لو حدث فلن يبقى ولا يذر، لماذا؟
لأن العالم على شفا الانفجار، فما بالكم لو جاء من مخزن الوقود، حتما سيمتد الاشتعال للعالم كله من ضرب صواريخ وقنابل البارود فى خزانات الوقود.
سامحونى سأهرب بكم من جحيم اللحظة إلى لحظات مر عليها شهور لم أكتب عنها، أهرب إليها وبكم من قسوة لحظة أضع يدى على قلبى وحتى يكتب الله أمراً كان مفعولا، مما لا يحمد عقباه، إذا اشتعلت حرب عالمية ثالثة تكون بها نهاية العالم، ليأتى الهه بخلق جديد.
> نعم الاقتصاد الآن هو «السيد» فى العلاقات بين الدول حيث يسعى زعماء الدول فى زياراتهم الخارجية إلى عقد الصفقات والاتفاقيات الاقتصادية، ويقاس حجم القوى والتأثبر والتعاون بين الدول بحجم التبادل التجارى والاقتصادى والصناعى.
ولكننى توقفت عند زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر منذ شهور عند عدة محطات كانت الثقافة هى البطل فيها، خطفت الأنظار من جهة وعكست الحب والشغف والعشق الفرنسى للحضارة والثقافة المصرية..
والمتأمل للاستعمار الفرنسى حين كان يحتل العديد من الدول فى الحقب الزمنية الماضية، يلحظ البعد الثقافى حاضرا وبقوة إلى جانب القوة العسكرية ولو كان إحدى أدوات الاستعمار الفرنسى فى سابق العصر والآوان للتغلغل والسيطرة، انتهت حقبة الاستعمار الفرنسى والبريطانى ولكن يظل الأثر بادياً فى آثاره الباقية ومنها اللغوى والفنى والإبداعى، والمثال الحى أمامنا رحيل الاحتلال الفرنسى عن المغرب العربى بدوله الثلاث وبعض الدول الأفريقية ولبنان وسوريا تاركاً خلفه تأثيرا لغويا مازال حيا بيننا بسيطرة اللغة الفرنسية فى شعوب هذه الدول على حساب اللغة العربية واللهجات المحلية.
وفى مصر كلنا نعرف، وتكاد تكون ظاهرة نادرة حين جاءت الحملة الفرنسية على مصر ومن بين صفوفها، أو قل الكتيبة الرئيسية فيها مجموعة من الباحثين والفنانين والعلماء لدراسة مصر وكانت النتيجة موسوعة وصف مصر التى ماتزال بيننا بتأثيراتها وكان أثرها فك أسرار الحضارة الفرعونية بفك رموز الهيروغليفية الساكنة على وجه حجر رشيد.
المهم العشق الفرنسى للثقافة والحضارة المصرية تلحظه فى أى أحاديث وحوارات، لن أقول الرسمية فحسب ولكن فى الأوساط الشعبيية الفرنسية، هناك ولع بالآثار الفرعونية جعلتهم ينشئون علم خاصا بالمصريات، وقد لمست ذلك عن قرب أثناء زياراتى لفرنسا، فتجد احتفاء كبيرا للغاية فى القسم المصرى فى متحف اللوفر وتقديرا كبير للمسلة الفرعونية الشامخة شموخ المصريين القدماء فى ميدان الكونكورد الذى يعد من أكبر ميادين العاصمة الفرنسية باريس.
والكم الهائل من الدراسات الفرنسية عن مصر يعكس هذا الولع بهوليود الشرق، والحب متبادل بعيدا عن النزعة الاحتلالية الاستعمارية، ومن محطاتها ولع محمد على الكبير بها فارسل ومن بعده أولاده البعثات إليها واقام المدارس العليا (الجامعات) على غرارها مثل مدرسة الألسن والطب والهندسة والعسكرية.. الخ لتكون طريقنا للنهضة.
ومن المحطات المهمة أيضا حين أراد الخديو إسماعيل أن يحلم بمصر جديدة ومختلفة إتجه بحلمه إلى فرنسا فأنشأ وسط القاهرة «القاهرة الخديوية» على غرار باريس واستقدم المهندسس الذى خطط باريس ليخطط وسط القاهرة، كما استقدم العديد من المعماريين الفرنسيين ليحولوا الحلم إلى واقع مازالت آثاره بيننا فى عمارات وبنايات وسط البلد، طيعا تم استقدام معماريين من إيطاليا وغيرها لكن تظل البصمة الفرنسية فى المقدمة.. لذلك لم اندهش من انعكاس هذا الولع الفرنسى بالتراث الحضارى والثقافى المصرى.
> توقفت عند اصطحاب الرئيس عبدالفتاح السيسى للرئيس الفرنسى إلى منطقة خان الخليلى بعد وصوله بدقائق لتناول العشاء والتجوال بين أكبر متحف مفتوح يعكس البعد الاسلامى الحضارى فى هذه العمارة، والبعد المضئ الذى اكسبته مصر للحضارة الاسلامية، نعم دخل العرب بالاسلام إلى مصر لكن سرعان ما هضمتهم البوتقة الحضارية المصرية لتنتج فنا مختلفا عن تتابعاتها الحضارية ولتعطى بعدا حضاريا أو قل لتنشئه أول مرة حتى وإن كانت عواصم الخلافة فى الكوفة أو دمشق.
> المهم عشق الفرنسيين للحضارة ظهر واضحا فى سعادة الرئيس الفرنسى وهو يتجول فى خان الخليلى حيث رأى الحضارة المصرية حية أمامه فى الحجر والبشر ودفء مشاعرهم التى لا يخطئها إلا حاقد وجاحد
ورغم تميز المطبخ الفرنسى بالعديد من المأكولات ويكفى أن اذكر أثناء زيارتى التى امتدت أسابيع لباريس لم استطع تذوق كل أنواع الجبن والسلاطات، فضلا عن الإتيكيت الفرنسى فى تقديم الأكلات يجعلك تشعر بأنك فى محراب فن وليس فى مطعم.
المهم أن الأكلات والضيافة الشعبية المصرية خطفت قلب وعقل ولسان ومعدة الرئيس الفرنسى حين دعاه الرئيس السيسى على العشاء بعيدا عن المأدب الرسمية، وكانت النتيحة انبهارا جديدا بالأكل المصرى الذى يعتبر رافدا مهما فى الثقافة المصرية.