تتصاعد حدة التوترات بالشرق الأوسط وتتجه إلى مزيد من التصعيد، والاشتعال وربما تصل الأمور إلى نشوب حرب إقليمية شاملة، أو دولية على ساحة المنطقة، إذا ما قررت قوى دولية دعم حلفائهم لأنهم يدركون أن الدور سيأتى عليهم وأن مصالحهم باتت فى حوزة أعدائهم.. فالحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، لا أحد يعرف مداها أو حدودها، وهل هى أسيرة أهداف معلنة أم أن هناك أهدافاً أخرى سرية غير معلنة.. بل إن الحرب بين تل أبيب وطهران ستأخذ منحنيات دراماتيكية إذا ما تأكدت المشاركة المباشرة والمعلنة للولايات المتحدة فى الحرب ضد طهران وهو ما ألمح إليه الرئيس دونالد ترامب، وتحريك وحشد ترسانة الأسلحة الأمريكية مثل حاملة الطائرات «نيمتز» وطائرات التزود بالوقود، والقاذفات الأمريكية «بى 52»، وأيضاً استخدام القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات، والتلويح باستهداف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، فالأمريكان يريدون استسلام إيرانى دون مفاوضات أو تفاصيل وهو أمر حسب العقيدة الإيرانية وتحديداً الحرس الثورى يبدو بعيداً، فى المقابل إيران تهدد فى حال مشاركة أمريكا فى الحرب عليها باستهداف القواعد الأمريكية فى المنطقة وهو أمر أكثر سهولة لها من استهداف إسرائيل، وأيضاً إغلاق أو حتى تلغيم مضيق هرمز لمحاصرة السفن الأمريكية، والجانبان يشكلان تهديداً مباشراً بإشعال الشرق الأوسط، ودخول أطراف جديدة فى الصراع سواء فى الإقليم أو على الصعيد الدولى، فالعالم باستثناء واشنطن وتل أبيب يطالب بالعودة للتفاوض وتفعيل الوسائل الدبلوماسية لتجنيب المنطقة والعالم تداعيات كارثية، ويبدو أن الأهداف «الصهيو ــ أمريكية» باتت أعلى سقفاً ولم تعد تقتصر القضاء على أحلام إيران النووية بل القضاء وإسقاط النظام الإيرانى، وهو ما قد يدفع طهران إلى استخدام كل وسائلها التدميرية لاستهداف المصالح والقوات والقواعد الأمريكية والأهداف الحيوية داخل إسرائيل، بعد نجاح الهجمات الصاروخية فى تكبيد إسرائيل خسائر فادحة وإحالتها إلى الرعب والهلع والشلل التام ويشكل خطورة بالغة على دولة الكيان ويظهر ذلك جلياً فى أمرين القرار الإسرائيلى الحاسم بالحيلولة دون تصوير الهجمات والضربات الصاروخية كما كان معتاداً فى الأيام الثلاثة الأولى واتخاذ إجراءات عنيفة تجاه وسائل الإعلام تصل إلى الاعتقال لتصوير آثار الدمار الهائل الذى أحدثته الصواريخ الإيرانية ــ الأمر الثانى الذى يكشف المأزق الإسرائيلى ومدى الألم الذى تعانيه دولة الاحتلال هو الحراك الأمريكى وإشارات الرئيس ترامب بالمشاركة فى الحرب وتهديداته الحادة، ومغادرته لاجتماعات مجموعة السبع، وسرعة تحريك ودفع قوات أمريكية إضافية إلى الشرق الأوسط.
مهما كانت نتائج هذه الحرب بين إسرائيل وإيران، إلا أننا أمام حقيقة واضحة أو حقائق، أبرزها ما يعنيه هذا المثل الشعبى «ما حك جلدك إلا ظفرك»، فالدول التى تعمل وفق رؤى وحسابات وتقديرات وتشخيص حقيقى لحجم التهديدات والمخاطر، ومدى ومواكبة التطور فى كافة أنواع الأسلحة، حتى يتسنى امتلاك ما يجابه هذه التهديدات، ولا تترك أى أمر للصدفة، هذه الدول التى استعدت لكافة الاحتمالات والسيناريوهات والظروف لا تنتظر مساعدة حليف أو صديق فى الغالب لن يكون حاضراً، لذلك فالتعويل على الآخرين فى ظنى مغامرة محفوفة بالمخاطر، لذلك لن ينفع أى دولة إلا قدراتها وجاهزيتها وليس التعويل أو الاعتماد على أحد، ويتعانق مع هذا المثل القول المأثور، «من زرع حصد»، فمن أدرك حجم المخاطر والتهديدات المختلفة جواً وبراً وبحراً وامتلك كافة أنواع الردع والاستعداد لمواجهة كافة التهديدات، ولا يمكن التركيز على سلاح أو تخصص معين، بل الحماية والحفاظ لابد أن يكون شاملاً براً وبحراً، وجواً من خلال امتلاك قوات جوية بأعلى مستوى، وأيضاً منظومات دفاع جوى تستطيع دحر أى تهديدات جوية ولابد من مواكبة الصراع والمعركة بين الطائرة أو المقاتلة والصاروخ، الأمر المهم أيضاً فى حالة الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية هناك درس بالغ الأهمية يتمثل فى اليقظة، والحسم فى التصدى لأى عمليات اختراق أو جاسوسية وامتلاك القدرة على إدارة الحروب الإلكترونية والسيبرانية، أيضاً أهمية الاستفادة من الدروس المتكررة، ومعالجة نقاط الضعف بأقصى سرعة.. والحقيقة.
نحن أمام دروس مستفادة لا تقدر بثمن تبنى على أساسها سياسات وإستراتيجيات عسكرية، فالحقيقة منذ الخميس الماضى نحن أمام نتائج ودروس عسكرية بالغة الأهمية تتعلق بتكتيكات وأسلحة الحرب الحديثة وأهمية امتلاك قوات جوية فائقة القدرة ومنظومات دفاع جوى حديثة وغير تقليدية وقادرة على التعامل مع كافة أنواع التهديدات والعدائيات.
السؤال الأكثر أهمية، ماذا لو حسمت إسرائيل المعركة مع إيران لصالحها؟.. اعتقد أن هذا السيناريو وهو مجرد افتراض سيكون الأخطر والأسوأ لأن نتنياهو لن يتوقف، سيكون أكثر جشعاً ونهماً لمزيد من التوغل والسيطرة وامتلاك الأراضى وتنفيذ فصول وبنود المخطط «الصهيو ــ أمريكى الإقليمى».. سوف تشتعل المنطقة أكثر وأكثر، وتنتشر الفوضى وتظهر دول الميليشيات والمرتزقة والجماعات الإرهابية التى تدار أمريكياً وعبر وكلاء إقليميين.. لأن هناك تحذيراً خطيراً أن سقوط أى دولة فى المنطقة وتفككها يؤدى إلى مزيد من المخاطر والتهديدات وعدم الاستقرار وتنامى الإرهاب، وسوف يغرى تفوق الكيان الصهيونى على إيران على مزيد من محاولات تحقيق الأوهام والخزعبلات، وأيضاً دعم للنظام العالمى القديم الذى تقوده الولايات المتحدة وتحقيق أهداف «التحالف»، لذلك فإن السيناريو الأفضل هو هزيمة إسرائيل لإيقاف عملية التمدد والتوغل والاخضاع والسيطرة والاحتلال على حساب أراضى ومقدرات وسيادة بعض دول المنطقة.. وهزيمة إسرائيل تعنى انتهاء أوهام نتنياهو ويلفظ أنفاسه السياسية.. لكن السؤال المهم ما هى أوراق وقدرات الولايات المتحدة على إبقاء إسرائيل على قيد الحياة، وهل يمكن أن تصنع واشنطن الفارق وتسقط النظام فى طهران.. وهل تتحول المنطقة إلى ساحة لحسم معركة الصراع الدولى بين نظامين عالميين قديم، ومستطلع، وهل نشهد تدخلاً مباشراً من «الصين وروسيا» فى الحرب ليس من أجل حماية طهران ولكن مصالح موسكو وبكين الأيام القادمة، صعبة وقاسية، والشرق الأوسط على المحك، ونحن أمام دروس مستفادة ونتائج وخبرات مجانية والتعرف على نقاط القوة والضعف لدى أطراف الصراع فى الدفاع والهجوم وأسباب النجاح والاتفاق.. لذلك أقول إن نجاح إسرائيل، سوف يؤدى إلى كوارث إستراتيجية على مستوى الشرق الأوسط أو مصالح القوى الكبرى مثل الصين وروسيا وأيضاً خطر على الأمن القومى لجميع دول الإقليم.
تحيا مصر