لا أدرى إن كان قد استدعى انتباه أحد، وجود أوجه تشابه بين عملية «شبكة العنكبوت» التى نفذتها أوكرانيا فى عمق الأراضى الروسية فى اليوم الأول من شهر يونيو الحالي، وعملية «الأسد الصاعد» الإسرائيلية التى بدأتها إسرائيل فى العمق الإيرانى فى الثالث عشر من نفس الشهر، وما إذا كان هذا التشابه مجرد مصادفة أم يشى «بعلاقة ما» بين العمليتين.
لقد استخدمت أوكرانيا وإسرائيل نفس الطريقة فى الإجابة عن سؤال شغل تفكير الدولتين وهو: كيف تضرب العدو من داخل أرضه، متجنباً مشقة الوصول إليه بالطرق التقليدية، ومحققاً أعلى درجات المفاجأة له، وأكبر قدر من الخسائر.
وكانت الطريقة التى لجأت إليها الدولتان هى ترتيب عملية اختراق استخباراتى واسع فى أراضى العدو، يمكن من خلاله إدخال الأسلحة والمعدات اللازمة لضربه وتشوينها فى مواقع سرية داخل أراضيه انتظاراً لساعة الصفر.
وكان السلاح الذى تم نقله لداخل أراضى العدو فى الحالتين ـ وهى روسيا وإيران ـ واحداً وهو سلاح المسيرات.
وتم نقله فى العمليتين بطريقة واحدة، وهى إخفاء المسيرات ضمن حمولة أجهزة وبضائع مدنية دخلت بها شاحنات إلى أراضى الدولتين، ووصل الاختراق الاستخباراتى إلى النجاح فى إقامة قواعد لإطلاقها.
وهى أول مرة يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة فى الحروب الحديثة.
أوكرانيا استخدمتها لتجاوز عقبة عدم امتلاكها لصواريخ بعيدة المدى يمكن أن تطلقها على العمق الروسي، حيث فرض عليها الغرب حظراً على الحصول على هذه الصواريخ.
وإسرائيل استخدمتها كضربة بداية تجنباً لمشاكل عبور طائراتها لأجواء أكثر من دولة وصولاً إلى إيران.
أوكرانيا أعلنت عقب نجاح عمليتها، أن التخطيط لها بدأ منذ أكثر من عام ونصف العام، وأن المسيرات التى استخدمتها فى العملية بلغ عددها 117 مسيرة، أحدثت إصابات مباشرة فى أربع وعشرين طائرة إستراتيجية روسية موزعة بين أربعة مطارات عسكرية.
وأن العناصر البشرية التى شاركت فى العملية، تم إخراجها من الأراضى الروسية فى الوقت المناسب بعد تحقيق هدفها.
الاختراق الاستخباراتى الإسرائيلى لإيران ليس جديداً، بل يعود لسنوات طويلة، والموساد الإسرائيلى لا يحتاج كثيراً أن يبعث بأعضائه الإسرائيليين ليقوموا بمهامه فى إيران، لأنه لا يجد صعوبة فى تجنيد عملاء من داخل إيران نفسها.
وقد أعلنت إسرائيل من جانبها أيضاً أنها خططت لعملية «الأسد الصاعد» من مدة، وأنها نقلت مسيراتها إلى الداخل الإيرانى ووزعتها بين مواقع سرية مختلفة طبقاً لاحتياجات خطة الهجوم.
وجه تشابه آخر بين «شبكة العنكبوت» الأوكرانية فى روسيا.. و»الأسد الصاعد» الإسرائيلية فى إيران.
لقد وقعت العملية الأوكرانية فى ظل وجود مسار سياسى تفاوضى بين أوكرانيا وروسيا برعاية تركية ومباركة ترامبية فى اسطنبول، وكان يبشر بإمكانية إحراز تقدم فى ملف وقف إطلاق النار بعد أن بدأ فى التحرك بالفعل فى ملف تبادل الأسرى وجثامين القتلى بين الطرفين.
ووقعت العملية الإسرائيلية أيضاً فى ظل وجود مسار سياسى تفاوضى بين إيران وأمريكا برعاية عمانية حول الملف النووى الإيراني، قبل أن تدخل إسرائيل على الخط وتصر على نسف قدرات إيران النووية وهو ما ترفضه إيران تماماً، تمسكاً بحقوقها السيادية فى استخدام الطاقة النووية السلمية.
روسيا تصرفت بحكمة الكبار، واحتوت الضربة الأوكرانية كآخر ورقة فى جعبة دولة مهزومة، ولم تشأ نسف المسار السياسى التفاوضي، وحضر وفدها فى موعد بدء الجولة الجديدة من المفاوضات بعد أربع وعشرين ساعة فقط من الضربة الأوكرانية، دون أن تفرط الدولة الروسية فى حقها الانتقام العسكرى فى الميدان.
بينما أشعلت الضربة العسكرية الإسرائيلية والتى طالت فى يومها الأول حياة قيادات عسكرية وعلماء الطاقة النووية، الداخل الإيراني، وفرضت على الدولة الإيرانية الحرب، بينما عجز «المايسترو» الأمريكي، الذى هو الطرف الأصيل فى المفاوضات مع إيران، وليس إسرائيل فى ضبط الإيقاع حفاظاً على المسار السياسي، بل زاده اشتعالاً بتصريحات مثل: على إيران الاستسلام التام.. أو: نحن نعرف أين يختبئ المرشد الأعلى لإيران ولكننا لن نقتله الآن على الأقل.. وهى تصريحات تغلق الطريق أمام عودة المسار التفاوضى فى الوقت الراهن.
ويبقى التشابه بين القيادتين.. نتنياهو فى إسرائيل وزيلينسكى فى أوكرانيا.
الرجلان ليسا جنرالين وليس لهما خلفية عسكرية مؤثرة قبل أن يصلا إلى السلطة فى بلديهما.
كلاهما بدأ مسيرتيهما فى مجالات مدنية.. نتنياهو رجل علاقات عامة وزيلينسكى ممثل كوميدي.
كلاهما ينتميان لنفس الديانة.
العلاقات الثنائية بينهما، وأيضاً بين دولتيهما وثيقة.
ويبقى السؤال:
من منهما الأصل ومن الصورة وراء فكرة «شبكة العنكبوت» و»الأسد الصاعد»؟!
أم أنها فكرة المايسترو الأمريكى صاحب مبدأ «السلام من خلال القوة».. و»الضغط العسكري» أقصر طريق للحصول من العدو على أكبر تنازلات سياسية!
وهل فكرت روسيا فى دراسة هذا التشابه بين العمليتين وبينهما من الزمن أقل من أسبوعين!!
فهل من المصادفة أن تتم العمليتان من حليفى أمريكا ضد روسيا وإيران الحليفتين فى نفس التوقيت؟