البرلمان فى كل الدنيا هو عين المواطن على الحكومة وضميره فى التشريع والرقابة معاً، فهل مارس هذا البرلمان دوره بما يكفى لكسب رضا الشعب ..؟
فهل ستحقق الحكومة مثلاً توصيات البرلمان «37 توصية لتنمية موارد الدولة وإصلاح الموازنة»..هل تضع استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الدين العام لتقليل الأعباء المالية وتحقيق استقرار اقتصادى مستدام وتحسين الأجور بما ينعكس إيجابًا على رضا المواطنين ومستوى الخدمات المقدمة لهم.
آمال كثيرة يعقدها المواطن على البرلمان الجديد ، ليدعم الدولة فى أداء دورها الإقليمى والدولي، ويؤكد على حقوقها الثابتة، ويقطع الأيدى التى تتآمر عليها أو تسعى للنيل منها أو القفز على دورها..برلمان يعين الحكومة على التخلص مما بقى من العشوائيات سواء فى المساكن أو التفكير والقرارات.. والضرب بيد من حديد على أيدى الفاسدين وتضارب المصالح والانتهازية السياسية والاستقطاب، وكل ما من شأنه استهداف لُحمة النسيج الوطني.
نحتاج لبرلمان جديد يستطيع نوابه تغيير ثقافة مغلوطة مفادها أن عضوية البرلمان مجرد «سبوبة» لحصد المنافع بلا ضوابط ولا مساءلة أو تقييم للأداء أو محاسبة حقيقية؛ فالشعب هو الرقيب الدائم، والمسئول أو النائب جاء بإرادة هذا الشعب وتكليفه لصون مصالحه ورعاية مصالح الدولة العليا ..وفى كل الأحوال فإن المنصب تشريعياً كان أو تنفيذياً أمانة سوف يسأل عنها صاحبها.. ولنا فى الرئيس السيسى قدوة تستوجب قراءة واستلهام ما يوجهه بين الحين والآخر من رسائل مهمة تجسد تقديسه للعمل واعتزازه وامتنانه لكل يد تكدح فى أى عمل شريف وكل عقل يبدع وكل علم ينتفع به؛ ومن ثم فلا تكاد تمر مناسبة دون تكريم للعلماء والمبتكرين وحتى المواطنين البسطاء الكادحين لكسب عيشهم ولاسيما المرأة المعيلة التى تتحمل العبء الأكبر فى فاتورة أى إصلاح اقتصادي.
وفى رأيى أن مثل هذه الرؤية جديرة بأن يستلهمها جميع المسئولين فى الحكومة والبرلمان لمؤازرة كل مجتهد حفزاً لهم ولغيرهم من السائرين على درب الكفاح والعرق؛ فمثل ذلك المسلك الرئاسى الذى نراه دائماً فى تعامل الرئيس مع مختلف طوائف الناس رسالة لكل مسئول أو موظف بأن يتعامل بالهمة والاهتمام والتواضع الواجب مع احتياجات الناس ومطالبهم فلم يعد مستساغا من أى مسئول أو نائب برلمان أن يستخف بردود أفعال المواطن وتقييمه لما يقدمه هذا الموظف أو ذاك النائب من خدمات؛ فكلاهما – وفقاً للدستور- خادم للجميع وفى عنقه أمانة سوف يسأل عنها أمام الله.
المواطن وشواغله ينبغى أن يكون فى صدارة اهتمامات البرلمان الجديد وأولوياته، ومراقبة أداء الحكومة ومتابعتها أولاً بأول لتقديم أفضل الخدمات وترجمة رؤية الرئيس وتوجيهاته وملاحظاته إلى واقع يلمسه الناس ويحوز رضاهم، فإنهاض مصر واستقرارها معلق فى رقابنا جميعاً لا يمكن لطرف أن ينهض به وحده، فالكل شركاء فى الواجب والمسئولية.
أوضاع منطقتنا وتحدياتها الجيوسياسية تحتاج لنواب من طراز خاص وناخبين على قدر من الوعى يؤهلهم لحسن اختيار من يمثلهم تحت قبة البرلمان؛ فالظروف لا تحتمل أى تهاون أو تقصير أو تراخٍ.. فكيف لمجتمع مثقل بكل هذه المتاعب أن يحقق أهدافه ولايزال بين أفراده كل هذا العدد من الأميين..وكيف لأمة أن تأخذ مكانها بين الأمم إلا بتعليم جيد وبحث علمى متقدم وصحة عفية، وهو ما أدركه الرئيس السيسى وسعى منذ اللحظة الأولى لتغييره، ولولا ذلك ما وصلنا لما نحن بصدده الآن من تغيير جذرى لمنظومة التعليم على صُعد عديدة، لينتقل من التلقين والحفظ والاستظهار الذى لا طائل منه إلى منظومة ذكية تحرض على التفكير والإبداع والإنتاج والجودة..ولولا ذلك ما وجدنا مبادرات رئاسية عديدة لاستنقاذ صحة المصريين من براثن المرض الناهش فى أجسادهم بلا رحمة وتطوير المستشفيات التى لا يزال بعضها يئن تحت وطأة الإهمال.. ولا مخرج من ذلك إلا بتمام تطبيق وتعميم التأمين الصحى الشامل الذى بدأ بالفعل فى محافظات أخرى حتى يجد الجميع تحت مظلته علاجهم المناسب الذى لا يكلف الفقراء شيئاً..والأمل كبير أن يدفع البرلمان الجديد هذا المشروع قدماً نحو تعميمه لما ينطوى عليه من أهمية قصوي.
أما أحزابنا فهى مدعوة للنهوض والاندماج فى كيانين أو ثلاثة لتتمكن من المنافسة وتفريخ الكوادر السياسية وضخ الحيوية والعافية فى أوصال الحياة السياسية والعامة كما فى كل الدنيا.. ولن يتحقق شيء من هذا إلا إذا مارست هذه الأحزاب الديمقراطية بين جنباتها وبين قواعدها..ونرجو أن يكون انتخاب البرلمان الجديد فرصة لتغير من نفسها حتى تصبح قوية متماسكة فعالة مؤثرة فى مجرى السياسة، وحتى تتخلق قوة أو نخبة سياسية جديدة تحت قبة مجلسى النواب والشيوخ، وتفرز مرشحين كثراً فى الاستحقاقات الانتخابية كافة.
نرجو أن ينخرط الجميع – برلماناً وحكومة- فى حوار مبسط فى لغته، عميق فى مغزاه مع الناس الذين هم فى حاجة دائماً لمن يصارحهم بحقائق ما يجرى حولهم أولاً بأول حتى لا يُتركوا نهباً للشائعات والمغالطات، وحتى يمكن بناء رأى عام حقيقى يجمع الناس تحت مظلته وليس وعياً زائفاً كثيراً ما حذر الرئيس السيسى من مخاطره على الجبهة الداخلية المستهدفة طول الوقت من أعداء هذا الوطن.
صارحوا الجماهير بالحقائق كما يفعل الرئيس فى لقاءاته وخطبه لبناء الوعى وتبصير الناس بصحيح المعلومات والحقائق.
اخرجوا للناس أيها المسئولون أيا ما تكن مواقعكم.. وترجموا رسائل الرئيس إلى واقع ينصهر فيه الجميع حباً وتفانياً فى خدمة وطنهم والدفاع عنه بالغالى والنفيس والجهد والعرق وإنكار الذات وخلع رداء التعصب للطائفة أو الحزب أو الجماعة.. واتخاذ القرار الصائب ووضع الرجل المناسب فى مكانه..فهذا كله من شأنه خلق توافق وطنى لا غنى عنه لعبور هذه الفترة الصعبة من تاريخ مصر.
يحدونا الأمل أن يأتى البرلمان الجديد معبراً عن الناس حائزاً رضاهم بعد أن كسب ثقتهم وأصواتهم..وتبقى المهمة الأولى للنواب الجدد هى ترجمة هذا الرضا على أرض الواقع رقابة وتشريعاً وتخفيفاً لمتاعب الشعب الذى هو دون غيره المراقب الأول وربما الوحيد لأداء البرلمان والحكومة معاً..وعليهما أن يقيسا مدى رضاه عن هذا الأداء أولاً بأول..فذلك أدعى للتواصل والتلاحم وكسب ظهير لا غنى عنه أبداً.