لم ينجح احد من المحللين والخبراء الإستراتيجيين فى استشراف المستقبل والتنبؤ الصحيح لمآلات الحروب والصراعات الدائرة، لم ينجح احد فى قراءة دقيقة لحرب روسيا وأوكرانيا ولا حرب غزة ولا السودان، اتذكر ما قالوه عن حتمية انتهاء حرب غزة فى غضون أيام وليس أسابيع، نفس السردية بنفس المفردات قالوها عن روسيا وأوكرانيا، واليوم عادوا من جديد لتكرار نفس التحليل المعيب والخاطئ والذى يرقى لمستوى «الهرى الإستراتيجى والهبد التكتيكي»، ما أراه حقيقة أننا أمام فقر نخبوى حقيقي، ولدينا جهل مركب بالعديد من القضايا.
>>>
فالجهل بالشيء ليس مشكلة وطريقة خلع المعرفة، لكن الجهل المركب ان لديك معلومات خاطئة مع نرجسية متضخمة وعدم القبول بأن تراجع معلوماتك وتظن انك أوتيت ما أوتى لسليمان!
وهنا أضرب مثالا حيا فحتى أيام فترة قصيرة مضت، كنا على قناعة بجملة من التصورات عن دولة إسرائيل اتضح انها خاطئة ومضللة جملة وتفصيلا، خبراؤنا ومحللونا ونخبتنا خرجوا جميعا يرددون ان إسرائيل دولة لا تتحمل الحروب الطويلة، ويضيف الإستراتيجيون ان جيش الاحتلال الإسرائيلى قد صمم على خوض الحروب الخاطفة فقط .
>>>
والواقع الصادم ان هذا الطرح فضحه الواقع المعاش حيث يخوض الجيش الإسرائيلى حروبا على جبهات متعددة منذ ما يقرب من عامين، قالوا ايضا ان الشعب الإسرائيلى لن يتحمل ضغوط الحروب ونتائجها خاصة الخسائر البشرية، وها نحن نرى شعبا متماسكا يهرع إلى الملاجئ عندما يسمع أصوات الصواريخ ثم يخرج لممارسة حياته بشكل طيبعي، قالوا ان الاقتصاد الإسرائيلى لا يتحمل كل هذه النفقات وسوف يسقط سريعا مع تفاقم وتداخل الحروب، أما الحقيقة التى نراها امام أعيننا ان اقتصادهم يسير فى ركاب الاقتصاد اليهودى فى العالم ولن يصيبه ما أصاب اقتصادات كل دول المنطقة.
>>>
قالوا وقالوا وليتهم قرأوا وحللوا ووقفوا على الحقائق قبل ان يخرجوا للناس بمعلوماتهم التى استقوها من الصحف العبرية التى تحركها الأجهزة الاستخباراتية لتوجيه رسائل مضللة، وما يجرى أمامنا يحتم علينا ضرورة المراجعة فنحن نتصور جميعا أننا على علم تام بما يجرى فى الداخل الإسرائيلى ويتوهم البعض انهم يسمعون
«دبة النملة» داخل دولة الكيان من خلال متابعاتهم الدقيقة لوسائل الإعلام العبرية ! ولكن متى كانت مانشيتات الصحف ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى مرآة عاكسة لمجتمع ما- أى مجتمع.
>>>
فالغوص فى تفاصيل المجتمع الإسرائيلى سيقودنا حتما إلى مخرجات تختلف كليا عما رسخ فى عقولنا ووجداننا جراء متابعة ما يصدر لنا عبر الإعلام العبرى وروافده ومصباته، لقد كشفت الحروب التى تخوضها إسرائيل منذ عامين فى غزة وجنوب لبنان وسوريا وصولا إلى حرب إيران الجارية عن عوار فكرى عربى شديد الخطورة فيما يخص معرفة الداخل الإسرائيلي، ربما كنا نتابع نتائج الانتخابات المتتالية والتى كانت نتائجها عاكسة لحالة تشظى مجتمعى شديد تترجمه أرقام وأعداد المقاعد فى الكنيست.
>>>
لقد مال المجتمع ميلا شديدا نحو اليمين ثم تدريجيا إلى اليمين المتطرف وها هو الآن فى حالة من عدم الاتزان السياسى والحزبى جراء حرب السابع من أكتوبر وما بعدها، كانت هناك مظاهرات حاشدة ضد القوانين التى حملها نتنياهو وحاشيته ووصفها البعض منا بأنها ستنتهى إلى حرب أهلية تقود إلى نهاية دولة إسرائيل! بينما وقف البعض ليؤكد أن هذه المظاهرات تعكس حيوية المجتمع الإسرائيلي، وهناك مظاهرات عديدة ضد الحكومة ونتنياهو وحكومته، بعض هذه الاحتجاجات بسبب الأسرى لدى حماس ويطالب هؤلاء بسرعة عقد صفقة تبادل مع الفلسطينيين.
>>>
بينما يتظاهر البعض الآخر مطالبين الحكومة بشن حرب ضد حزب إيران وقد كان، والحقيقة أننا لا نقف على حقيقة ما يدور فى الداخل الإسرائيلى بشكل دقيق، وهنا لابد من القيام بالآتي:-
– إنشاء وتنشيط مراكز الدراسات المتخصصة فى الشأن الإسرائيلي.
– الاهتمام الصحفى والإعلامى بالداخل الإسرائيلى بشكل مستدام وليس فقط أثناء الحروب.
– محاولة رصد الحالة المزاجية للشعب الإسرائيلى وعوامل التأثير عليه سلبا وإيجابا.
>>>
– الاهتمام بمخرجات مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية فى الداخل الإسرائيلى وتلك المنتشرة فى أمريكا الغرب بيد أن تلك التحركات ليس لها علاقة بمسارات الدولة الرسمية على المستويات الأمنية والدبلوماسية والاستخباراتية، والهدف الأساسى هو الوقوف على صورة كاملة للمجتمع العبرى كخطوة أولى من أجل فهم حقيقى يساعد فى إجراء التوقعات الدقيقة واستشراف المستقبل الحقيقي، نحن نحتاج إلى فهم المجتمع الإسرائيلى من الداخل حتى يمكننا إدارة التوقعات ثم إدارة الصراع بشكل لا يفتقر إلى الدقة والموضوعية.