فى ظل التطورات المتسارعة فى مجال التكنولوجيا، باتت الحروب الحديثة تشهد تحوّلاً جذريًا فى أدواتها واستراتيجياتها. فلم تعد المعارك تُخاض فقط بجنود على الأرض، بل حلّت الطائرات المسيّرة والصواريخ الذكية محلّهم فى كثير من الجبهات. هذا التحوّل لم يقلّل فقط من الخسائر البشرية بين صفوف الجنود، بل غيّر موازين القوة، وجعل التفوق التكنولوجى عاملاً حاسمًا فى حسم النزاعات.
فى الحروب الحديثة من حرب الهند وباكستان وقبلها روسيا وأوكرانيا والان الاحتلال الاسرائيلى وإيران ظهر جليا ان الاستخبارات العميقة، والتكنولوجيا الجديدة المدعومة بالذكاء الصناعى تلعب دورا أهم من الهجمات الضخمة بجيوش تقليدية وأن كثرة العتاد يغلبها طول الاستعداد. ورويدا رويدا تتغير قواعد اللعبة ومعها تتغير معايير تقييم القوة العسكرية، تعداد الجنود والدبابات والطائرات لم تعد فى صدارة معايير التفوق.
فى العدوان الاسرائيلى على ايران والذى استهدف قادة فى الحرس الثورى وعدداً من علماء الذرة ومواقع بالغة الحساسية فى طهران وغيرها من المدن، لم يكن هذا الهجوم مجرد استعراض للقوة، بل برهان على قدرة تكنولوجية فائقة فى الاختراق، الرصد والتخطيط والتنفيذ دون الحاجة إلى جنود على الأرض.
بالمثل، شنت أوكرانيا فى أول يونيو الجارى هجومًا نوعيًا بطائرات مسيّرة على قواعد جوية روسية، ألحقت أضرارًا بعشرات الطائرات، بينها قاذفات استراتيجية. الهجوم، الذى استُخدمت فيه طائرات مخبأة داخل شاحنات مدنية، كان ثمرة 18 شهرًا من التخطيط السرى، وفقًا لمقال نُشر فى (سمول وورز جورنال) الذى أشار إلى أن «الأنظمة الذاتية باتت العمود الفقرى لحروب المستقبل .
اذا التقنية العسكرية لم تعد خيارًا.. بل شرطًا للبقاء، مصادر بحثية ودوريات مهمة اكدت ان التكنولوجيا غيرت توجهات الميادين العسكرية فبدلا من ارسال جنود برا او جوا او بحرا اصبح القتال عن بعد كما انها غيرت مفاهيم الحروب الخاطفة، بحسب ما نشر فى موقع « ميليتارى كونفليكت جورنال» الأمريكى مما يجعلها سلاحًا حاسمًا فى بيئات القتال الحديثة.
أما موقع «توتال ميليتارى انسايت» الأمريكى فأكدت فى تقرير حديث أن «الذكاء الاصطناعى يعزز من فاعلية القرارات العسكرية ويقلل من الحاجة إلى الزخم البشرى»، مشيرة إلى أن المعركة باتت تُدار من الخوادم والسيرفرات قبل أن تُخاض فى الميدان. وأضافت ان امتلاك الأنظمة التكنولوجية المتقدمة يُمكّن حتى الدول الصغيرة من تحقيق نوع من الردع الاستراتيجى أمام القوى الكبرى، بشرط الاستثمار فى المعرفة لا فى الكماليات العسكرية.
كما نشرت مجلة «ديفينس ارابيا» اللبنانية تحليلاً لأهم تقنيات 2025 العسكرية، شمل الأسلحة الموجهة بالطاقة، والروبوتات ذاتية التشغيل، والتقنيات القابلة للارتداء، التى ترفع من أداء الجندى وتدمج الإنسان مع الآلة فى معادلة الحرب الحديثة.
أثبتت المسيرات أنها «قوة جوية للفقراء» إذا ما استُثمرت بذكاء، وفقًا لتقرير( اى اى اس ميليتارى بالانس) فى عام 2023 فقد زاد استخدام الطائرات المسيّرة فى النزاعات بنسبة تفوق 80 ٪ منذ عام 2015، لا سيما فى مناطق مثل أوكرانيا، اليمن، ليبيا، وقره باغ .. ففى الحرب الروسية الاوكرانية تُستخدم مابين 5,000 إلى 10,000 طائرة مسيّرة شهريًا من الجانبين، بين الاستطلاع والهجوم. كما ان الهجمات بطائرات بدون طيار شكلت ما يقارب 60 ٪ من الهجمات الجوية الروسية على البنية التحتية الأوكرانية فى شتاء 2023/2022.
كما ان تكلفة استخدام التكنولوجيا وخاصة الطائرات المسيرة بسيطة مقارنة بالحروب المعتادة بالجنود والمعدات التقليدية، فبعض الطائرات المسيّرة الانتحارية (مثل «شاهد-136») تكلف أقل من 20 ألف دولار، مقارنة بصواريخ مضادة قد تكلف أكثر من 500 ألف دولار لاعتراضها.
وفيما يتعلق بدقة الإصابة فان الصواريخ الموجهة الحديثة تستطيع إصابة أهدافها بنسبة دقة تفوق 90 ٪، حتى من مسافات تصل إلى 500 كلم وأكثر. فى الوقت نفسه تعتبر تكلفة تطوير صاروخ «توماهوك» الأمريكى، الذى يُستخدم على نطاق واسع، تتجاوز 1.8 مليون دولار للقطعة الواحدة، لكنه يحقق إصابات دقيقة تقلّل من الحاجة لهجمات جوية تقليدية مكلفة.
فى حرب غزة استخدمت إسرائيل أكثر من 1,000 صاروخ موجه ذكى لضرب أهداف داخلية، مع تقليل الخسائر البشرية عبر استهداف دقيق للبنية التحتية، كما ان الولايات المتحدة استخدمت صواريخ ذكية بنسبة تفوق 85 ٪ من إجمالى الهجمات الجوية خلال تدخلها فى سوريا والعراق ضد تنظيم «داعش».
وأدى الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا إلى تقليل نسب الإصابات فى صفوف الجيوش، حيث أظهرت تقارير البنتاجون أن نسبة الإصابات بين الجنود الأمريكيين انخفضت بنسبة 47 ٪ فى المهام القتالية خلال العقد الأخير. كما ان بعض الدول، مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية، تطوّر «وحدات قتالية روبوتية» تُدار عن بُعد، ما قد يقلل الحاجة إلى إرسال الجنود لمناطق الخطر بنسبة تصل إلى 70 ٪ خلال العقد القادم.