منذ سنوات طويلة وربما عقود وقبل أن تبدأ طهران فى بناء قواعد المفاعلات النووية ولا أن تضع حجر الأساس، وهى تردد شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، وتهدد وتتوعد بمحو الدولة العبرية من على الخريطة، وتلقت خلال تلك الفترة العديد من الضربات وهى تسير قدما نحو بناء مفاعلاتها فى محاولة إنتاج قنبلة نووية، وأمام التصريحات التى لا تتوقف بأن هدفها هو القضاء على إسرائيل، زاد ذلك من مخاوف الغرب وأمريكا خاصة من هذا الخطر.
ودخلت الأطراف فى مفاوضات طويلة بين شد وجذب، دون الوصول إلى أى اتفاق أو توافق، الغرب يصر على منع طهران من امتلاك السلاح النووى ولا بديل عن ذلك وإيران تصر على حقها فى ذلك وتمضى قدما فيما تعتزم تحقيقه، مع الكثير من المناوشات وتصريحات التهديد المتبادلة، والتى كانت سخونتها تصل أحيانا إلى أننا نتوقع أن تقوم الحرب العالمية الثالثة، ثم يسود هدوء حذر أحيانا أو استراحة فى أحيان أخرى.
وجاء ترامب على رأس الإدارة الأمريكية للمرة الثانية منذ يناير الماضى، وعاد إلى البيت الأبيض، ليضغط أكثر على الجرح ويشعل المزيد من النيران مع إيران، ودون هوادة لا يترك مجالا للاختيار ويتعجل النتائج بفرمانات واجبة التنفيذ، بجانب تأييده المطلق للنتن ياهو وحكومته المتطرفة وجيش الاعتداء الإسرائيلى ليعيث فسادا أكثر مما كان عليه، وأعطاه الكارت الأخضر لتجاوز كل الخطوط الحمراء وارتكاب كل الموبقات ويحميه بحق الفيتو.
وبحجة الدفاع عن النفس، وادعاء الحفاظ على بقاء الصهاينة على قيد الحياة، أشعل النتن ياهو حربا جديدة واعتدى على إيران بشكل غاشم، وتوعد هو ومن معه من اليمين المتطرف ومصاصى الدماء بحرق طهران، بل وتوجيه ضربات موجعه تجعلها تركع وتقبل شروطه، ويدعى فى أول خطاب له بعد تلك الضربات، أنه لا يستهدف الشعب الإيرانى فهو صديق لأمة اليهود- على حد تعبيره- وإنما يستهدف إسقاط النظام، والحقيقة أن ما يقوم السفاح بفعله هو محاولة لتحقيق أوهامه التوسعية بالغطرسة المؤيدة من واشنطن.
ولا أتحدث عن القدرات القتالية ولا العسكرية لأى من الأطراف، ولا يستطيع أحد أن يستقرئ إلى أى مدى يمكن أن تصل الأمور، هل ستتوقف الحرب واللجوء إلى الحوار، ومن أى نقطة يمكن أن يتحقق ذلك بعد أن تدهورت الأوضاع، خاصة أن نتائج المواجهات سيكون لها الدور الأساس فى أى تفاوض.
وبعد أن بدأت تل أبيب تشعر بالقلق، مع وجود شعبها بأكمله فى الملاجئ تحت الأرض وتوقف الحياة وإغلاق المطارات والمصانع وتلقى ضربات إيرانية لم تتوقعها، تستغيث بأمريكا وتحثها على دخول الحرب بشكل مباشر بحجة منع طهران من امتلاك السلاح النووى والقضاء على برنامجها المحتمل، وإن كنت أظن أن الغرب لن يسمح لإيران أن تنتصر أو تتفوق فى المواجهة مع إسرائيل، ففى نفس الوقت لا أجد مع طهران حلفاء يمكن أن يدخلوا بجانبها مباشرة فى الحرب التى لو اتسعت فإنها ستكون الحرب العالمية الثالثة التى يخشاها العالم كله لأنها لا تحمل إلا الدمار الشامل.
الوضع فى حالة انفجار، وأكبر من ذلك خطورة أرى عدم وجود «الرجل الرشيد»، أى الدولة العظمى ذات الثقل السياسى التى يمكن أن تتدخل لإصلاح ذات البين ومحاولة إخماد النيران المشتعلة وتزداد فى كل لحظة، فأمريكا طرف فى الصراع ولن يكون تدخلها نزيها بأى حال من الأحوال، وروسيا مشغولة بالحرب مع أوكرانيا ولا مجال لوساطتها خاصة وأن الغرب لن يقبل بها، وأوروبا تميل نحو إسرائيل ضد إيران، والصين فى موقف عداوة وتحفز مع أمريكا، وكثير من الدول الأخرى لها موقف انحيازى لأى من الطرفين، وهذه الظروف تزيد من مخاوف استمرار الحرب لفترة طويلة وتطورها واتساعها.
فى كل الأحوال، لا يوجد رابح فى الحروب الحديثة، ولن يخرج أحد منها سليما معافى، وستكون كل الأطراف مخدوشة خاسرة بنسبة معينة، كما تلقى بظلالها على العالم كله وتؤثر عليه اقتصاديا، كما حدث من الحرب الروسية الأوكرانية.
عموما، بدأ اليهود يتوجعون أكثر من سياسات النتن المتهورة التى تأخذهم اكثر إلى التهلكة ومن حرب إلى حروب وتشابكات فى نفس الوقت.
