مع انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة التى تشغل اهتمامات أسر اكثر من 750 ألف طالب وطالبة ومعها تحترق الأعصاب حرصاً على تحصيل الدرجات وأملاً فى حجز مقعد بأفضل الكليات.. تتسارع معها التصريحات للمسئولين عن العملية التعليمية، باتخاذ الإجراءات الكفيلة للتصدى لمحاولات الغش الإلكترونى.
ليست بالعصا الإلكترونية وحدها نتغلب على حيل الغش الإلكترونى.. بل لابد من ربط ظاهرة الغش فى الامتحانات وعلاقتها أولاً بالتربية الأسرية.. حيث إن جذور هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على صعوبة أو سهولة المادة العلمية أو الضغوط الأكاديمية، بل إنها تشتعل من بيئة الأسر نفسها، نظراً لوجود فئة من الآباء والأمهات ينظرون إلى الغش كوسيلة أساسية لتسهيل أداء أبنائهم فى الامتحانات، معتقدين فى ذلك أنها تخفف من وطاة ومعاناة الطلاب أمام ضغوط ورقة الأسئلة!!
من المؤكد أن القائمين على العملية التعليمية يدركون تماماً خطورة الظاهرة، التى تشكل تهديداً مباشراً لنزاهة التعليم، نظراً لأنها تهدر تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب وتؤدى إلى ترسيخ ثقافة التحايل وإلى أن تفقد الاختبارات قيمتها الحقيقية كوسيلة لتقييم القدرات والإمكانات لدى الطلاب.
أتصور أن عدم جاهزية بعض من الطلاب للامتحان، قد تدفعه للغش.. ويرجع ذلك إلى إهمالهم للمذاكرة والمواظبة على تحصيل دروسهم من مدارسهم مع بداية كل فصل دراسى، وبشكل يدفعهم للبحث عن طرق تضمن لهم النجاح السريع.. فضلاً عن غياب الثقة بالنفس والخوف من الفشل واجتياز الامتحان.. لذلك يلجأون إلى الغش، حيث يعتبرونه وسيلة مشروعة لتحقيق أهدافهم!!
ينبغى إدراك أن النجاح الحقيقى، يتوقف على بذل الطلاب لمجهود متواصل وتعب فى التحصيل العلمى، التزاماً بالصبر والمثابرة، مع مراعاة أن فكرة النجاح ليست مرهونة بالحصول على العلامة الكاملة، بل بمدى حرص الطالب على استيعاب المعلومة العلمية وتوظيفها.. وليس مطلوباً تحقيق التفوق المطلق، بقدر اكتشافه لإمكاناته المفردة والعمل على تطويرها بما يخدم مجتمعه.
حصول بعض من الغشاشين على مواقع أو أماكن بالجامعات ليست مخصصة لهم على حساب المجتهدين المكافحين، قد يؤدى إلى فشلهم لاحقاً فى التخصصات التى تم ترشيحهم لها دون استحقاق، لأنهم غير مؤهلين لها، فضلاً عن غياب الكفاءة فى العديد من المجالات العملية.. ويتسبب ذلك فى وقوع خسائر فادحة داخل المجتمع، ويرسخ على المدى البعيد لثقافة التحايل والتلاعب على حساب ضعف ثقافة النزاهة والأمانة والصدق.
إصرار البعض من الطلاب على الغش مع بداية حياتهم العلمية، قد تحوله إلى مدمن وأسير له، ولن يكتفى بالغش فى الامتحانات، بل يتحول إلى سلوك أصيل يشكل جزءاً من حياته المهنية، وهنا تكمن الخطورة على مجتمعه.
ومن الخطورة، تشجيع البعض من أولياء الأمور لأبنائهم الطلاب على اللجوء للغش دون وعى، نظراً لأنه قد يؤدى مع مرور الوقت إلى عواقب نفسية وإصابة أبنائهم بحالة من اللامبالاة تجاه القيم والمبادئ الاجتماعية والدينية.
إننا بحاجة إلى تكاتف الأسرة مع المدرسة والمؤسسات التعليمية مع الإعلام والمؤسسات الدينية لإعادة الانضباط لبعض من الأبناء، من خلال رسائل موجهة لهم لتوضيح مخاطر الغش.. حيث إن جهود التوعية منذ الصغر تشكل حجر الزاوية فى بناء مجتمع قوى أخلاقياً ومتماسكاً على أسس النزاهة، وتمتد تأثيراته على شخصية النشء ومعتقداته وقيمه، بما يؤهل لإعداد جيل قادر على مواجهة التحديات.