مصر لا تخلو من الأبطال
فى زمن يتصدر فيه التفاهة المشهد، وتُسلط الأضواء على من لا يستحق، تطل علينا الحقيقة من قلب النار.. من لهيب شاحنة مشتعلة، ومن روح قررت أن تحترق لكى لا يحترق الوطن.
خالد شوقى، سائق شاحنة الوقود، لم يكن يبحث عن بطولة..كان يؤدى عمله، كغيره من آلاف المصريين الشرفاء الذين لا تذكرهم نشرات الأخبار، ولا تكرمهم الشاشات..لكن اللحظة جاءت، واختار خالد أن يكون رجلاً فى زمن الانسحاب، فواجه النار لا هربًا منها، بل سحبها بعيدًا عن محطة وقود، وعن منطقة صناعية مكتظة بالبشر والمصانع والعمال.
عرف أن الشاحنة مشتعلة.. رأى الموت بعينه.. لكنه لم يفر.. لم يقل «أنا مالى».. لم ينتظر المطافئ، ولا الكاميرات، ولا حتى «لايف» على الفيسبوك.. تحرك وحده، وسحب الشاحنة المشتعلة إلى مسافة آمنة، كى لا يتحول الحريق إلى مجزرة.
وفى لحظة النبل القصوى، حين يختلط الألم بالشجاعة، أصيب خالد بحروق قاتلة.. حروق لم تحرق جسده فقط، بل حرقت قلوب كل من بقى فيهم ذرة ضمير.
استشهد خالد شوقى كما يموت الأبطال الحقيقيون: صامتًا، بلا ضجيج، بلا وسام، بلا حفلات، لكن برصيد من الرجولة لن ينفد.. علينا أن نعيد البوصلة إلى حيث يجب أن تكون.. فخالد لا يقل بطولة عن أى جندى فى المعركة، ولا عن أى ضابط استشهد فى الميدان..خالد قاتل بطريقته، بسلاح الشجاعة، فحمى وطنًا صغيرًا اسمه «العاشر من رمضان»، وأرواحًا كثيرة ما كانت لتبقى لولا تدخله.. حين يموت خالد.. يمضى كما يمضى الشرفاء دائمًا: بهدوء، دون صخب، ودون ثمن.
نعم، خالد شوقى رحل. لكن المسئولية لم ترحل معنا. المسئولية اليوم فى رقبة الإعلام، فى رقبة الدولة، فى رقبة كل مواطن يعرف معنى الشرف.
نريد أن نرى اسم خالد على لوحة شرف حقيقية.. نريد أن تُطلق اسمه على مدرسة أو ميدان أو نقطة وقود.
نريد أن يعرف أولاده وأحفاده أن أباهم لم يمت عاديًا، بل مات شهيدًا فى ميدان الحياة.
والأهم: نريد أن نعود للإعلام الذى يُكرم القيم.. نريد إعلامًا يعرف الفرق بين «الشهيد» و«المؤثر»، وبين من ضحى بنفسه، ومن يضيع الوقت على الجمهور.
رحلت يا خالد، لكنك تركت لنا درسًا ثقيلًا فى المعنى.
ذكرتنا أن مصر لا تخلو من الأبطال، لكنها قد تخلو أحيانًا من المنصات التى تنصفهم.
ذكرتنا أن البطولة لا تتطلب سلاحًا.
نم فى سلام يا ابن مصر.
نم مطمئنًا، فمصر ما زالت تنجب رجالاً أمثالك، فلن يغيبهم التاريخ.