أكد الدكتور محمد الياقوتى وزير الأوقاف السودانى السابق عضو الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم أن هناك اهتماما شديدا من القيادة المصرية بدعم القضايا الإسلامية والإنسانية الكبرى للإفادة من المكانة الفريدة التى تحتلها مصر فى قلوب المسلمين.
أوضح فى حواره لـ «الجمهورية» أن مصر ليست مجرد دولة بل هى رمز للحضارة الإسلامية والتاريخ العريق، بما لها من دور محورى فى الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية ومكافحة الإرهاب والتطرف تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشيرا إلى أن التحول الرقمى داخل مؤسسات وهيئات الإفتاء أصبح واقعا ضروريًا.. مشيدًا بالخطوة التى فعلتها دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم حيث استطاعت جمع العلماء والمفتين من مختلف دول العالم؛ داعيًا إلى زيادة الفتاوى المجمعية فى ظل العصر الذى كثرت فيه النوازل والمستجدات بما يسهم فى جمع شمل الأمة وتحقيق الاستقرار فى المجتمعات.
> كيف ترون عناية الدولة المصرية بتحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع؟
>> ما أراه فعلاً أنه هناك اهتمام شديد من القيادة المصرية بدعم القضايا الإسلامية والإنسانية الكبرى إضافة إلى المكانة الفريدة التى تحتلها مصر فى قلوب المسلمين، فهناك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحدثت عن فضلها وأنها مستقر آمن لمن سكنها أو لجأ إليها، كما وصفها سيدنا يوسف عليه السلام بأنها خزائن الأرض، واثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيشها واصفا إياه بأنه «خير أجناد الأرض»، فمصر ليست مجرد دولة، بل هى رمز للحضارة الإسلامية والتاريخ العريق، ولها دورها المحورى فى الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية ومكافحة الإرهاب والتطرف تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى نعتده نموذجاً يحتذى به فى ترسيخ مفهوم ومعنى الأمن الفكرى من خلال الواقع وبرؤية شاملة تتصدى للتطرف وتحقق التسامح والحوار ونحن بدورنا ندعم مصر فى مواجهة كل التحديات مع الرفض القاطع لمخططات الإرهاب التى تستهدف إثارة الفتن لأن وحدة واستقرار الدول العربية والإسلامية أمر لا يقبل المساومة، ولابد من تعزيز الجهود الإفتائية فى مواجهة الفكر المتطرف، وهنا يتضح أهمية دور المؤسسات الإفتائية فى ترسيخ الأمن الفكرى والاستقرار المجتمعي، كما أن هناك رغبة حقيقية من ممثلى هيئات ومؤسسات الإفتاء وعلماء الفكر والدين فى مواجهة التحديات التى تحيط بعالمنا المتسارع، وهنا أود الإشادة بدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، حيث إنها نموذج يحتذى به فى تقديم رؤى فقهية عميقة ومستبصرة بقضايا الأمة.
> كيف ترى التحول الرقمى داخل مؤسسات وهيئات الإفتاء فى العالم وتأثير ذلك على الفتاوي؟
>> التحول الرقمى داخل مؤسسات وهيئات الإفتاء أصبح واقعا مُلحا لذلك نجد أن دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم استطاعت جمع العلماء والمفتين من مختلف دول العالم؛ لأننا فى عصر تكثر فيه النوازل والمستجدات مما يحتم علينا زيادة الفتاوى التى تجمع شمل الأمة وتحقق الاستقرار المجتمعي، وهناك خطط طموحة ومشروعات واعدة وفعاليات دولية وإصدارات علمية تهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة ومنع نشر الأفكار الإرهابية المتطرفة وتعزز مسيرة العمل الوطني؛ لأن خاتمية الرسالة وتمامها يقتضيان وفاءها بكل تطلعات الناس، لذلك جاءت خطاباتها عامة متسامية على قيد الأمكنة والأزمنة وهى خطابات منضبطة واضحة المرادات لا التباس فيها، وكذلك لابد من قراءة الحكم الشرعى التكليفى مع الحكم الوضعي، وإذا لم نفعل ذلك تكون هناك إشكالات قد تصل حد استحالة التطبيق، حيث نجد أن عموم الخطابات الشرعية فى غالبها عمومات قابلة للاستثناءات، وقراءات تنسقها مع كليات الشريعة الإسلامية بحيث لا نجد مطلوبا تفصيليا يتقاطع مع الأهداف الرئيسة للشريعة الإسلامية، وأن الأمور الظنية لا تتقاطع مع الأمور القطعية، ولا تتعارض الجزئيات مع الكليات.
والفقه السديد يمنع الخلل ويعالج احتياجات الإنسانية، وهو لن يكون كذلك ما لم يتباعد عن القراءات المبتسرة والنظرات العاجلة غير المستبصرة التى تنظر بعين واحدة أو لا تنظر أحيانا، وقد جاءت قواعد الفقه الإسلامى وافية المقاصد العليا للشرع، ومن ينظر بدقة يجد أن المقاصد الشرعية تشتغل فى ثلاث دوائر: دائرة التعليل، ودائرة تحقيق المصالح، ودائرة مآلات الأفعال، وهى دوائر يرتبط بعضها ببعض، بل يُكمل بعضها بعضا، فالكثيرون لم يتعرضوا لتعريف المآل وجاء كثير من التعريفات وكأنها شروح أو ذكر للقواعد والمسالك التى يتوصل بها إلى المآلات، ومن أجمل ما قيل فيها: إنها وصف شرعى يربط الحكم الشرعى بنتائجه وجودا أو عدما.
أما مآلات الأفعال فهى أصيلة فى كتاب الله وفى سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استدل الإمام الشاطبى وغيره من الأئمة على المآلات بأدلة من الكتاب والسنة، فمراعاة المآل دليل معمول به وثبت اعتباره فى كتاب الله وقد عمل به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وتبعه على ذلك صحابته الكرماء، ثم جاء الفقهاء من بعد الصحابة وساروا على ذات النهج واتضح ذلك عند الأئمة الأربعة الكبار لا سيما الإمام مالك بن أنس.
إلا أن بلورة القاعدة واعتبارها قاعدة تشريعية مستقلة، وهناك عدد من القواعد التى تعتبر من قبيل المآلات كسد الذرائع والاستحسان.
> من وجهة نظرك.. ما الطرق السلمية والهادئة للتعبير عن الآراء المختلفة والتعامل مع المخالفين؟
>> الإسلام الحنيف جاء ليخرج الناس من هذه الحياة السيئة والصعبة وينقلهم إلى حيث الأمن والأمان والسكينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على إبعاد الناس تماما عن الحروب وعن كل ما يؤدى إليها وكان صلى الله عليه وسلم أيضا يبحث دائما عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له، ونجد أن العالم بأسره خاصة العرب قد شهدوا حروبا كثيرة فى زمن نشأة الرسول وقبل بعثته، فكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها أو مع القبائل الأخرى بسبب أو بدون سبب، لذلك فإن إقرار السلام لا يعنى انتفاء الحرب تماما، بل إن الحرب وضعت فى الشريعة لإقرار السلام وحمايته من المعتدين عليه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين المؤمنين أن يقاتلوا فى سبيله وأمرهم بمقاتلة المعتدين ونصر المُعْتَدَيَ عليهم الآمنين المسالمين، لذلك نجد أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة جاء رحمة للعالمين كافة، رحمة لأمته فى تعريفهم الخير وتحذيرهم الشر، ورحمة للكافرين بدعوتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ورحمة للمخلوقات بالإحسان إليها فى حياتها، والإسلام دين تسامح ومحبة وسلام وعقيدة قوية تضم جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية، والسلام مبدأ من المبادئ التى عَمَّق الإسلام جذورها فى نفوس المسلمين وأصبحت جزءا من كيانهم وهو غاية الإسلام فى الأرض، فالإسلام والسلام يجتمعان فى توفير السكينة والطمأنينة ولا غرابة أن كلمة الإسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع، وقد جعل الله السلام تحية المسلم قبل بدء الكلام مع آخر، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «السلام قبل الكلام» فالسلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان وهو اسم من أسماء الله الحسني.
> الفكر الصوفى .. ما أثره على الفرد والمجتمع؟
>> الفكر الصوفى يؤثر بشكل عميق على الفرد والمجتمع من خلال تعزيز قيم الإحسان والتقرب إلى الله وتربية النفس والقلب وتغيير السلوك والأخلاق، حيث يعتبر التصوف مذهبا إسلاميا يركز على تحقيق مقام الإحسان أى تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل، والتصوف له أثر كبير على الفرد حيث يشجع على الاعتناء بالنفس والقلب وتطهيرهما من الشهوات والرغبات وتحقيق السلوك والأخلاق الحميدة ويسهم فى ترسيخ قيم التواضع والزهد فى الدنيا وترك السعى وراء الشهرة والجاه والتركيز على الحياة الآخرة، مما يتيح للمرء الوصول إلى الله من خلال تجربة شخصية ذاتية دون اعتماد على الفلسفة العقلية بل من خلال المعرفة غير العقلية والذاتية، إضافة إلى أنه يساعد الفرد على اكتشاف الذات وتطوير قدراته وتحقيق التوازن النفسي، كما أن التصوف يؤثر على المجتمع فى تغيير بعض السلوكيات والأخلاقيات ويحفز على الإحسان والتواضع والزهد كما يهدف التصوف إلى إصلاح المجتمع وتغييره نحو الأفضل من خلال تبنى قيم الإحسان والمحبة والتسامح مما يسهم فى بناء مجتمع متماسك وتعزيز قيم التعاون والتكافل الاجتماعى والقيم الإيجابية مثل: الإحسان، والصدق، والأمانة، والتسامح.
> يمكننا التعرف على فلسفة الإسلام فى «حفظ النفس» باعتبارها إحدى الضروريات الخمس؟
> الأقدمون لم يتعرضوا لتعريف مقاصد الشريعة تعريفا محددا إلا أنهم ذكروا مضمون ذلك؛ حيث أوضحوا الكليات المقاصدية الخمس، وهي: «حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال» وذكروا مصالح ضرورية وحاجية وتحسينية، فلا إشكال فى المنهج الذى سلكه فقهاؤنا الأقدمون فى عدم تعريف المقاصد؛ فإن الغرض من التعريف التمييز بين المحدود وغيره،
وهناك عدة تطبيقات على مراعاة مقصد النفس فى الفتوى منها: تعطيل صلاة الجماعة وقت الجوائح، وهذا لا يتعارض مع اتفاق العلماء على القول بمشروعيتها؛ وقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، أو: «الضرر يزال»، بل قد أفتى أهل العلم بجواز تعطيل الحج جزئيا إذا كان يخشى من التجمع مزيد إصابات، واستدلوا بنفس الأدلة المقاصدية المذكورة فى تعطيل صلاة الجماعة وزادوا عليها عدة أدلة أخرى تدل مجتمعة على جواز اتخاذ قرارات بمنع الحج أو العمرة مؤقتا، وهذا إذا تعذر إقامة هذه الشعائر بطريقة مناسبة يتم من خلالها حفظ النفوس، كما أن الفقهاء قد راعوا مقصد حفظ النفس فى تغسيل الميت؛ فقدموا سلامة الحى الغاسل على إتمام تغسيل الميت، رغم أن الأصل أن غسل الميت فرض كفاية عند المذاهب الأربعة، ولكن مع مراعاة مقصد حفظ النفس يمكن الفتوى بإسقاطه بالكلية أو تخفيفه أو العدول إلى التيمم، ومن الضرورى العناية بمقاصد الشريعة فى الفتوى والتنبه إلى الفرق بين ترتيب المقاصد الإجمالية والمفاضلة بين تفاصيلها، فضلا عن مراعاة مقصد حفظ النفس الذى هو أحد الضروريات الخمس يؤدى بنا إلى نتائج فقهية مهمة.