المقايضة هى عملية تبادل خاصة ومحددة يتم من خلالها تبادل للسلع أوالخدمات مباشرة بين طرفين أوأكثر دون استخدام العملات النقدية كوسيط بينهم، ويعتبر هذا النظام من أقدم أشكال التجارة البينية، حيث كان الأفراد يتبادلون المنتجات أوالخدمات مباشرة دون الحاجة إلى نقود أوعملات، أى انه نظام الصرف الذى يتم عبره تبادل البضائع أوالخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى، وهى عادة ما تكون ثنائية ولكن قد تكون متعددة الأطراف، أى بوساطة من خلال المنظمات المقايضة، وعادة هى موجودة بالتوازى مع النظم النقدية فى معظم البلدان المتقدمة على نطاق محدود جدا حتى الآن.
هذا النظام الاقتصادى مر بعدة مراحل ويتطلب نجاحه تنسيقاً جيداً بين الجهات المعنية بالبلدين من حيث توفير وتبادل البيانات والمعلومات الضرورية مثل النظام الجمركى والضرائب.. إلخ بالإضافة إلى إنشاء آليات فعالة للتواصل والتنسيق لضمان سلاسة ونجاح عملية المقايضة، والبنك المركزى فى البلدين هو الضامن لإتمام ونجاح عملية المقايضة للطرفين سواء كانت الحكومة أوالقطاع الخاص وهو الجهة المنظمة لعمليات التبادل التجارى بالمقايضة.
وفى ظل التقلبات العالمية والتحولات الجيوسياسية التى يمر بها العالم والأزمات المتوقعة تسعى الحكومة المصرية الى اتخاذ كل السبل التى من شأنها تخفيف الضغط على النقد الأجنبى، وتدرس مؤخرا مع دولة بلغاريا نظام المقايضة خاصة ان بلغاريا من أكبر موردى القمح لمصر وفكرة المقايضة معها سوف تسهل التبادل التجارى وتفتح مجالات تعاون أوسع فى التخزين والنقل والصناعات الغذائية، وتقديرى انه حل ذكى لتقليل الضغط على الاحتياطى النقدى، وتوفير دولارات الاستيراد والتبادل بمنتجات مصرية مطلوبة فى أوروبا مثل الحاصلات الزراعية، خاصة ان التجارة بين مصر وبلغاريا فى تزايد مستمر، مما يجعل المقايضة فرصة حقيقية لتقوية العلاقات الاقتصادية، كما تسعى أيضا الى توسيع الفكرة مع روسيا وتركيا والهند ودول اخرى فى الطريق، بهدف بناء شبكة تبادل مرنة تساعدها على مواجهة الأزمات وتوفير احتياجاتها بسرعة دون اعتماد على العملة الصعبة، بالأَضافة الى انه عندما تتمكن مصر من تصدير منتجاتها وخدماتها الى أكثر من دولة فهذا يساهم فى زيادة الإنتاج ومن ثم زيادة الصادرات ومن ثم تحفيز النمو الاقتصادى.
نعم كان من الضرورى أن تبحث دولة 30 يونيو عن آلية أخرى لاستمرارالتبادل التجارى مع التقليل من احتياجاتها من العملة الأجنبية، وتخطو خطوة جريئة فى استخدام نظام المقايضة للتبادل التجارى خاصة مع الدول التى تستورد منها بمبالغ كبيرة مثل روسيا والهند ومؤخراً تركيا، حيث سجل حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا 6،6 مليار دولار فى عام 2024، فى ارتفاع سنوى بنسبة 19 ٪، وفق بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وكذلك الهند التى تُعتبر سادس أهم شريك تجارى لمصر، باجمالى تجارة بينية 5.2 مليار دولار فى عام 2024 ــ 2025 ويشهد حجم التبادل التجارى بين مصر والهند تطورًا ملحوظًا، وهناك تطلعات متبادلة لزيادته فى المستقبل القريب، وأيضا تركيا التى بلغ حجم التجارة بينها وبين مصر 8.8 مليار دولار خلال عام 2024، وفى تصورى ان مصر نجحت بالفعل فى مسعاها بالاتفاق مع هذه الدول بالتبادل التجارى بنظام المقايضة، وحالياً تتفاوض مع الدول الأفريقية وبدأت مع دولة كينيا كما تم عرض الفكرة على دول إفريقية أخرى وجار دراسة تطبيق وتنفيذ الفكرة.
كلمة فاصلة :
ببساطة..من أهم الآثار الإيجابية لهذا النظام انه يسهم فى تقليص احتياجات الدولة من الدولار، وتخفيف الضغط عليه، مما يؤدى الى تخفيض سعره، كما يساهم فى خلق فرص عمل جديدة، وفى زيادة الفرص الاستثمارية بالبلدين فى قطاعات مختلفة و فى تنويع السلع والخدمات المتاحة للتجارة، وفى تبادل الخبرات والمعرفة والتكنولوجيا والتقنيات المتقدمة، وكل هذه الآثار الإيجابية وأكثر تساهم فى النهاية فى تعزيز كافة أوجه التنمية الاقتصادية بالبلدين.. حفظ الله مصر وأهلها.
