ذهبت اليه متحرجا وأنا أجرخلفى ومكبلا بقيودى، وأحمل على ظهرى جبالا من الذنوب..
ذهبت اليه خجلا ، أقدم قدما وأتأخر بالأخرى دون إرادة منى.. أقول لنفسى : ألم يكن من الأفضل أن آتى إليه بعد الطواف بالبيت الحرام والسعى بين الصفا والمروة والارتواء بزمزم والاستحمام والوضوء بها بعد طلوع عرفة ورمى الجمرات و… و…. و…
ألم يكن من الأفضل المجئ إليه وقد غفر الله لى ذنوبى بعد إتمام شعائر الحج.. يعنى آتى اليه كمن ولدته أمه، طاهرا من كل ذنب ومتحررا من كل هم وقيد.. لماذا ؟
– حتى يكون اللقاء يليق بك ياحبيبى يارسول الله
لكن ماذا أفعل؟ لم يكن لى إختيارا، فقد بدأت رحلة التوبة والمغفرة من هنا.. . نزلت بنا الطائرة فى مطار المدينة المنورة فى بداية رحلة الحج منذ سنوات… لو كان لى الخيار لذهبت أولا إلى البيت الحرام لإداء فريضة الحج ثم آتى اليك يا حبيبى وقد تطهرت من ذنوبى، وحتى يكون داخلى مثل خارجى، أبيض، متطهرا من ذنوب الماضى، ومحتشدًا بأمل الانخراط والسير والسباحة فى طريق النور ما بقى من العمر..
قبل ان تطأ قدماى باب مسجده.. وقفت وذهبت عيونى إليه، نظرت إلى السماء وإلى القبة الخضراء على مسجده، طلبت منه العفو، والسماح بالدخول وأنا مكبل بذنوبى، نظرت للسماء مستغيثا ودعوت الله ان تصل محبتى ورسالتى إلى رسوله وحبيبه.. توكلت على الله بعد أن شعرت بإن تأشيرة الدخول قد جاءت، فتحت أمامى أبواب الدخول اللامرئية، دخلت إليه مطاطئ الرأس ومحنى الظهر من ثقل ما أحمل وأجر.. دخلت المسجد بعد أن مررت بساحته التى شعرت فيها بأننى ارتفع من فوق أرضه مسرع الخطى.. دخلت.. مشيت وأنا أحلق فى جنبات المسجد لاهثا.. وكانت البداية.. وجدتنى بين الاف الوقوف مجبرا على الوقوف، وحين سألت :قالوا هنا بداية الطريق إليه !
مع الكثيرين وقفت فى انتظار السماح بالدخول الى روضته الشريفة، يفصل بيننا وبين الطريق اليها داخل المسجد عشرات الأمتار والباب عبارة عن شريط بلاستيكى، يفتح حين يتم السماح، وقفت لا أعرف كم من الوقت مضى ولسانى لا يتوقف: ياحبيبى يارسول الله،
أمنى النفس باللقاء وسرعة الدخول إليه.. يعرقلنى ويضع أمامى المتاريس، الحرج والتحرج والخجل والكسوف من لقاء النبى بهذه الجبال من الذنوب.. المهم سمعت هاتفا يأتى من داخلى : أنت جئت للشفيع.. فهل يتشفع لأمته عند المولى عز وجل يوم القيامة، وأنت من بينهم، ولا يستقبلك اليوم بترحاب وأنت فى مسجده ،فى بيته، تشجع يارجل ليس بين الحبيب وحبيبه عتاب أو وجل أو تحرج..نزلت دمعة على الخد لم أشعر بها..
المهم وجدتنى فجأة مسحوبا من داخلى ومدفوعا للأمام بطوفان من البشر قادم من خلفى، أندفع للأمام بعد إزالة الشريط البلاستيكى.. معهم جريت، مهرولا وكأننى فى سباق للقاء الحبيب فى روضته الشريفة ، فجأة وجدتنى محشورا بين من سبقنى ومن يدفعنى من الخلف، أضطررت للوقوف المفاجئ وعلى رجل واحدة وقفت وتفرملت حتى لا أقع على الجالسين والمصلين، حين أستعدت توازنى.. قلت بصوت عال :
هى فين الروضة الشريفة.. ؟
جاءنى صوت أو أكثر من بعض الجالسين والواقفين: – أنظر تحت قدميك، أنت تقف على السجادة الخضراء..
وحين شعروا بأننى لا أفهم ما قالوه.. جاءنى صوت متهدج : أنت فى الروضة الشريفة يابنى
لم أشعر بنفسى إلا وأنا أحتضن من يقف بجوارى فرحا.. تلاقى رد فعله الفرح مع رد فعلى المحلق فى السماء، تعانقنا ونحن لا نعرف بعض،تلاقت الدموع من خدى وخده ، وحين أفقت، نظرت له ونظر لى، كانت بشرته السمراء توحى بأنه من افريقيا.. حين تماسكنا بدأنا الصلاه.. وفجأة اتسعت الروضة أمامى بعد ان كانت مغطاة ومكدسة بالبشر، بدأت أصلى وأبكى وأدعو، لا أعرف كم استغرقت من الوقت بين الوقوف والركوع والسجود، والركعة تسحب أخرى وانا بينهم سابح فى ملكوته، أصلى وأصلى وأصلى، وكأننى أدخل الإسلام الآن ولم أولد فيه، لكن ماكان قبل هذه اللحظة شئ، والآن شئ اخر، نعم للصلاة هنا مذاق أخر، وحين سألت نفسى عن السبب، يأتينى صوته مفسرا سبب هذه المتعة، يقول صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة»
– نعم .. هى الجنة ، وهل هناك جنة على الأرض مثل ما بين بيت النبى (صلى الله عليه وسلم) أو حجرة السيدة عائشة (رضى الله عنها) التى كان يرتاح إليها الحبيب و منبره الذى دعا من فوقه اًصحابه ، ومازال يدعو من جاءوا بعده وهم الآن أكثر من 2 مليار نسمة .
جلست بعد عدة ركعات.. التفت يمينا ويسارا، وتحركت الى الأمام، ها هو منبر رسولنا الكريم أمسكه وأتلمسه باليد، ياه هذا المنبر الذى طالما وقف عليه الرسول يخطب فى أمته الوليدة، وها هو يقف هنا إماما للمؤمنين به بعد أن ذاقوا الاضطهاد والغربة من ديارهم فى مكة من أجل الله ورسوله، ضحوا بأموالهم وتركوا بيوتهم وأحبابهم من أجل الله وحبيبه، اشتروا الآخرة بما يملكونه فى الدنيا.. أنطر الى يسارى.. ها هو بيت الرسول الذى عاش فيه ودفن فى إحدى غرفه، غرفة عائشة رضى الله عنها.. وللحديث بقية..