نستكمل الحديث عن تاريخ وحاضر سيناء أو «مصر الصغري» كما أطلق عليها الشهيد جمال حمدان
فى مصر الحديثة قبل الرئيس جمال عبدالناصر وقف اطلاق النار فى مبادرة وزير خارجية الولايات المتحدة وليم روجرز 1970 بعد ان حقق من حرب الألف يوم «الاستنزاف» اهدافه الاستراتيجية وأهمها تحقيق قدرة الدولة مع جيشها على النهوض من نكستها من جديد ومواجهة العدو الصهيونى وايلامه بضربات عسكرية متنوعة، وأمنية مخابراتية، ودبلوماسية سياسية، موجعة تحقق لنا الندية وتؤكد على القدرة والكفاءة على المواجهة واستعادة الأرض.
ولانه لا حرب دائمة، قبل الرئيس جمال عبد الناصر مبادرة «روجرز» لتحقيق الشق الثانى من إستراتيجية مصر، وهي: استعادة قدرة وكفاءة الدولة والقوات المسلحة، وتحديث وتسليح وتدريب القوات على خطة العبور، وتفعيل مقولة «ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» .
وكما جاء بكتاب «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر ـ شهادة سامى شرف» «صدر 2005» حيث يشير الى ايفاد جمال عبد الناصر لوزير الخارجية محمود رياض الى مجلس الامن بمذكرة يثبت فيها امتناع اسرائيل عن تنفيذ قرار المجلس 242 وعدم انسحابها من الاراضى التى احتلتها عقب 1967 واشار فى المذكرة المصرية الى حديث جولدا مائير رئيس وزراء اسرائيل امام الكنيست فى الخامس من نوفمبر 1968 إننا عندما نقول إن حدودنا الآمنة هى نهر الاردن فإننا نعنى أنه عند توقيع أى اتفاقية سلام لن تعبر أى قوات أجنبية نهر الاردن، بل إنه عند توقيع اتفاقية سلام لن توجد قوات أردنية أو عربية غرب نهر الأردن فى ظل أى تسوية سلمية».
وهنا أراد ناصر أن يضع أمام الرأى العام العالمى عدم رغبة إسرائيل فى السلام أو تنفيذ قرار مجلس الأمن ، بهدف التحريك الدبلوماسى للقضية.
وفى فبراير 1969 أعلن ليفى أشكول رئيس وزراء إسرائيل: «إن إسرائيل لن تتخلى عن الجولان».
وفى مارس 1969 وجه مبعوث الامم المتحدة سؤاله للدول الثلاث حول تنفيذ قرار 242 وأبدت كل من مصر والأردن الموافقة واعترضت إسرائيل الذى جاء فى ردها فى أبريل 1969 إنه عندما سيتم تحديد الحدود الآمنة مع العرب ستنسحب إسرائيل، إلا أنه حتى الآن لا توجد حدود آمنة ومعترف بها مع الدول العربية».
ونجحت المساعى الدبلوماسية المصرية فى تحريك الرأى العام العالمى تجاه حل الأزمة، وتقدمت فرنسا بمشروع يقضى بانسحاب إسرائيل على مرحلتين فى التاسع من ديسمبر 1969 وهو مشروع يقر بعدم احتلال أرض بالقوة، ثم تقدمت الولايات المتحدة فى التاسع عشر من ذات الشهر بمشروع مفاده أن الحدود الآمنة هى حدود خط الهدنة لعام 1949 مع اعتبار القدس ذات طبيعة خاصة، وفى الثلاثين من ديسمبر اجتمعت مصر والأردن مع إسرائيل فى نيويورك لاقرار أى من المشروعات التفاوضية، ورفضت إسرائيل مشروعات الانسحاب، وأمام رغبة الولايات المتحدة فى عدم خسارة العرب والتوازن مع صنيعتها إسرائيل، ومع قيام ثورة الفاتح فى سبتمبر 1969 فى ليبيا، وثورة السودان فى مارس 1970 وتوغل سطوة الاتحاد السوفيتى فى المنطقة العربية، واستمرار العمل على تسليح جيش مصر وتدعيم وتحديث قدرة قواتها غرب القناة بالقيام بعمليات اسقاط الطائرات الفانتوم ثم طائرة الاستطلاع «الاستراتوكروزر» فضلا عن عمليات الاغارة الدائمة شرق القناة ونجاحاتها المتلاحقة، ودعوة ناصر لانعقاد مجلس الدفاع العربى الذى أقر باجتماع القادة العرب فى الرباط ديسمبر 1969 لتوحيد القوى العربية تجاه التوسع الصهيونى فى الاراضى العربية، وظهر ما يعرف بقومية المعركة العربية، لذا أرادت الولايات المتحدة استعادة علاقاتها مع العرب أمام المد السوفيتي، ونسق هنرى كيسنجر رئيس الأمن القومى الأمريكى «فيما عرف ببداية الدبلوماسية الأمنية» لقاء مع محمود رياض وزير خارجية مصر أثناء وجوده فى نيويورك أكتوبر 1969 دون علم وليام روجرز وزير خارجية أمريكا ـ طبقا لشهادة سامى شرف فى كتابه ـ وبعلم من ريتشارد نيكسون فى بادرة تجنيب وزير خارجية أمريكا، وطبقا لكتاب سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر لمؤلفه سامى شرف فيقول: «إن هنرى كيسنجر عرض على محمود رياض مفاوضات بين مصر وإسرائيل دون علم العرب، وهو الأمر الذى رفضته الإدارة المصرية بشكل كامل واعتبرته غير مقبول للنقاش من الاساس».
وللحديث بقية.