فى حوار مع الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، أجراه الدكتور محمد إبراهيم العشماوى بعنوان «المشايخ وفن الإدارة»، أعجبنى قول الدكتور الهدهد إن من وسائل النجاح فى الإدارة ألا يغلق المسئول بابه فى وجه أحد، ولا يمتنع عن التواصل مع مرؤوسيه. موضوع مهم كم من المرات شغلنى هذا الأمر وفكرت فيه: لماذا المشايخ فى غالبهم لا يبدعون فى عالم الإدارة؟ ولماذا يتهمهم البعض أنهم لا يملكون مقومات القيادة. مع التسليم بأننى شخصيًا عاصرت منهم الأفذاذ والرواد فى فنون الإدارة والأسماء كثيرة. أذكر منهم الراحل الكريم الشيخ محمد حسن القاضى وكيل وزارة الأوقاف بالدقهلية الأسبق وكان عنوانا فى عالم الادارة والشيخ / عبد الحميد شومان وكيل الغربية ومولانا الشيخ / منصور عبيد وكيل وزارة الأوقاف أطال الله فى عمره هؤلاء فعلا كانوا عناوين فى الانضباط واستشراف المستقبل والقيادة بحكمة والرحمة بعباد الله . صحيح أن هناك من يحدثك كثيرًا عن اختيار القوى الأمين، وهذا جميل الا أننا رأينا من يتهاوى وعاد إلى الوراء وتخلف عندما تبوأ منصبا اداريا ، والنتيجة سمعة تطارد المشايخ. وقد سمعنا من يقول: هؤلاء مكانهم الطبيعى المنابر والقبلة وإلقاء الدروس، ولا داعى للزج بهم فى أتون الإدارة التى تحتاج إلى مقومات ومتابعة وملاحظة وحكمة طوال الوقت. وفى تقديرى أن فيهم من يمتلك القدرة على الريادة والصدارة، شريطة التجرد والتوفيق من الله. لكن المهم أن تكون ساعيًا إليه، حريصًا على التواصل مع الجميع، وسد منافذ الفشل، والابتعاد عن فئة المحبطين، واختيار القيادات طبقًا لمعايير واضحة. اختيار الكفاءات لا أهل الحظوة. وقد يتناسى من يتم اختياره أنه يحتاج إلى التعلم والتزود بكل المفردات الادارية. وبالتالى هو فى حاجة إلى البحث والدراسة، والاحتكاك المباشر، وأن يكون اجتماعيًا دون شطط ودون توابع تعيق مسيرته، وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع، لاسيما المرؤوسين، وأن يرى بنفسه ولا يفتح الباب أمام القيل والقال، وأن يسمع من الجميع ثم يفلتر ما يسمع، وألا يرسم صورة ذهنية عن شخص بمجرد أنه سمع من فلان، وإياك من السماع دون تحقق فهو ظلم فادح. المتابعة هى الأصل والنفوس البشرية سريعة التقلب، قد يمدح فلان اليوم وغدًا يذمه ويكيل له الاتهامات.وفى تقديرى أن هناك مقومًا رئيسًا يتغافله من يتصدى للعمل العام. وهو سابقة الممارسة السياسية لفترات متباعدة. فعالم السياسة يصقل المسئول ويؤهله للعمل الإدارى ويمنحه زخمًا ومعلومات تغيب عن الكثيرين. المشايخ ككل شرائح المجتمع فيهم من يصلح ليكون قائدًا، والقيادة ملكة يمنحها الله لعباده. وهناك من لا يملك أدنى مقومات التصدى للعمل العام، قد يكون ضعيفًا اجتماعيًا وفقير العلاقات، وقد يكون محدود المعرفة فى عالم الإدارة، وقد يكون فقيهًا وعالمًا إلا أنه ليس بقيادي. يصبح الدفع به لتولى عمل إدارى ظلمًا له وتوريطًا، وهذا ما نراه فى عدد من المواقع عندما يمنح المسئول إداريًا من المحترفين لإنجاز العمل، وهذا لا يعفيه من المسئولية عندما تقع الفأس فى الرأس. والله المستعان.