كل ما يصدر من القاهرة أو يحدث فيها لا يبقى فى القاهرة وإنما يمتد أثره وآثاره وتداعياته ونتائجه وتفاعلاته إلى الإقليم والعالم، فامتداد الأثر والتأثير له واجب المراعاة وحسن الاستخدام والتوظيف، وربما أخفق الكثيرون فى فهم هذا «الأوبشن» الموجود فى «سوفت وير الدولة المصرية»، ولم ينجح البعض فى التمييز بين ما يتناوله على الصعيد الشخصى من آراء وما يجب أن يراعى على مستويات الصعيد العام ، لذلك أعود إلى استكمال ما كتبته هنا بالأمس عن الشائعات والخفافيش التى تحملها.
>>>
واليوم أكتب عن الشائعات غير المغرضة «التى قد تصدر بحسن نية من البعض، لكننا تعلمنا من دروس الزمن أن النوايا ومهما كانت طيبة لا تبنى دولة، وقد تضع الدولة وأجهزتها فى مواقف شديدة الحرج وغير مريحة على الإطلاق وسط إقليم شديد الحساسية تجاه مجموعة قضايا بعينها، وسط حالات من الاستقطاب العشوائية فى كل الاتجاهات، أن أخطر ما يواجه أى مجتمع هو ألا يرى ثوابته الوطنية على حقيقتها وألا يتذكر من تاريخه إلا القليل، ويسمح للآخرين بالعبث والتزوير والتزييف فى مفردات هذا التاريخ.
>>>
ورغم ان فخامة الرئيس السيسى ومنذ أن تولى المسئولية وهو يشدد على ضرورة خلق حالة وطنية جمعية ترسخ مفاهيم الدولة الوطنية ومشروعها التنموى من خلال تشييد قواعد الوعى الصحيح غير المشوه، وفى سبيل ذلك كرر سيادته تحذيراته من صناعة وترويج وتداول وتناول وتمرير الشائعات بكل أنواعها، فالمزاج العام للشعب المصري- أو غيره من الشعوب- يمكن ضربه وإصابته فى الصميم بشائعة أو قصة مكذوبة لكنها براقة ويمكن تمريرها وتصديقها، هنا نطرح الموضوع بتجرد ودون مواراة أو مغالاة، فحرية الرأى والتعبير مكفولة للجميع ومطبقة ونعيشها بحق على أرض الواقع وليس على سبيل شعارات المجاملات «كله تمام».
>>>
لكن هذه الحرية لا تعنى أبدا بأى حال من الأحوال أن تتحول إلى حرية التطاول على الآخرين أو نشر أكاذيب أو الترويج لأمور ضد مصالح الدولة، عبر عن رأيك الشخصى دون أن تنتقص من الآخرين، وعبر عن رأيك دون اختلاق الأكاذيب، عبر عن رأيك دون التقليل من شأن بلدك، عبر عن رأيك دون الحديث فيما لا يعنيك ولا تفهم أبعاده وتداعياته، الخلاصة عبر عن رأيك بوعى وأدب وصدق وتجرد وحتى لو كان هذا الرأى حادا وقاسيا ومخالفا لما هو سائد، سيكون احترامه واجباً وفرضاً، لكن أن يتحول المشهد إلى تلك الحالة العبثية النادرة ويختلط فيها الحابل بالنابل.
>>>
فهذا ما لا يمكن استمراره، ولا القبول به تحت أى ظرف، أكتب كلماتى هذه إلى أبناء مصر فى كل مكان، وأكرر مستعيرا من كلمات الرئيس «انتبهوا لما يحاك لنا» وكلما ضاقت الأمور علينا بالعمل ثم العمل ثم العمل، الرئيس دائما ما كان يطمئننا على بلادنا فى كل المناسبات ومهما كانت الظروف، كان سيادته يتفهم قلق البعض والذى اسماه قلقا إيجابيا، لكنه حذرنا من الخوف، فالمصريون لا يليق بهم الخوف، لكن التغيرات الجارية أمام أعيننا فى كل مكان فى العالم، تدفعنا إلى بذل المزيد والمزيد من الجهد على جميع المستويات.
>>>
فالٌلحمة الوطنية والتماسك المجتمعي، هما الأساس الذى تبنى عليه كل الإصلاحات، لكن هذا أيضا لا يتأتى مصادفة وإنما يأتى بمزيد من الوعى والفهم، وهذا هو دور المثقفين والمفكرين وصناع الأمل والكتاب والإعلاميين، دورهم جميعا ليس فقط فى صياغة مشروع الوعى القومى وإنما دورهم فى الالتزام- أولا- بثوابت هذه الدولة ومعرفة طبيعة هذا الشعب.