لا أنكر ولا أخفى حالة الاكتئاب التى تنتابنى كلما جاء يوم 5 يونيو لدرجة اننى ترددت كثيرا أن أذهب إلى طبيب نفسى أو أجالس أحد أساتذتنا الذين عاصروا أسباب النكسة فى 67 لأستمع إلى رأيهم فيما ينغص فكرى كلما مر على خاطرى 5 يونيو.. هذا اليوم الذى صنع دولة إسرائيل وحولها من قزم ينتظر الفناء فى أى لحظة.. يندس بين الناس ليمر إلى حيث يذهب إلى عملاق يكاد يحجب ضوء الشمس عن عالمنا العربى ويزداد كل يوم طغيانا وصلفا وغرورا وفسادا فى الأرض وقتلا فى العباد وهدما فى الديار.. فقبل 5 يونيو كانت دولة الاحتلال المدعومة من بريطانيا وفرنسا وكامل أوروبا والولايات المتحدة تحلم بمجرد نسمة هواء تمر عليها من أى دولة عربية.. ولا يغمض لقادة بنى صهيون جفن خوفا ورعبا من أن تشرق أنوار الفجر على طوفان ناصرى أو عربى يعيدهم إلى حيث أتوا.. فإذا بهم بعد ساعات قليلة من يوم 5 يونيو 67 يتحول هذا الكيان إلى اخطبوط يتشعب على متسع من الأراضى العربية فلسطين وسوريا والأردن ومصر.. ويصير القزم عملاقاً ويصبح حديث العالم الذى أنهى أسطورة عبدالناصر الذى كان حديث الغرب والعالم وأصاب قادة أمريكا بصفة خاصة بالذعر.. فناصر هو محرك ثورات التحرر فى الوطن العربى بل وقارتى افريقيا وآسيا.. فعندما اندلعت ثورة العراق فى 14 يوليو 1958 وأطاحت بالملكية ونسفت حلف بغداد.. انتفض الرئيس الأمريكى «إيزنهاور» وكان القائد الأعلى لقوات الحلفاء فى أوروبا وفكر فى إعطاء الأمر بتنفيذ اغتيال عبدالناصر الذى اعتبره المسئول عن ثورة العراق ومحرك ثورات التحرر فى المحيط العربى .
>>>
تجرع الزعيم ناصر مرارة الهزيمة وقسوة الانكسار وخرج معتذرا للشعب مقررا التنحى والعودة لصفوف المجاهدين.. لكن الشعب الذى يدرك وطنية ناصر وانه يدفع ثمن فساد واهمال من وثق فيهم وسلمهم قيادة الجيش.. فلم يكونوا أهلاً للثقة ولا تحملوا مسئولية حماية وطن بحجم مصر.. فكانت الهزيمة القاسية والنكسة المخزية.. لست أدرى لماذا تنتابنى حالة من الضيق والمحاولات الدءوبة للخروج من هذه الحالة.. واستدعاء حرب الاستنزاف وتكبيد العدو خسائر فادحة ثم نصر أكتوبر المجيد الذى محا عار الهزيمة والانكسار واستعاد الكرامة والثقة.. بل واسترد الجندى المصرى ثقته وأثبت للعالم بأسره اكذوبة الجيش الذى لا يقهر وحطم كبرياء وغطرسة وغرور عدو صدق نفسه انه انتصر فى 5 يونيو.. بينما لم يكن هناك طرف آخر بسبب أخطاء عديدة لحلف المشير عبدالحكيم عامر أدت إلى الهزيمة والانسحاب الذى أعطى الفرصة للعدو أن يتوغل ويتوسع حتى جاء نصر السادس من أكتوبر 73 ليكتب تاريخا جديدا فى سجل البطولات والتضحيات.
>>>
لست أدرى لماذا تنتابنى حالة الضيق والرغبة العارمة للانتقام من العدو ومن كل من تسبب فى هذه المأساة من أصحاب الحفلات وعدم تقدير الموقف من أناس تسلموا قيادة خير أجناد الأرض آنذاك فلم يؤدوا المهمة ولم يؤدوا الأمانة الملقاة على أعتاقهم.. وربما يعود سبب ذلك اننى عايشت طفلا صغيرا فى الصف الثانى الابتدائى مسيرات الجماهير فى حى العباسية العريق وهى تطالب الزعيم ناصر بالعدول عن التنحى والاستمرار فى مواجهة العدو حتى النصر.. لم نكن ندرك أو نستوعب ما يدور حولنا لكن عرفناه جيدا بعد سنوات والاطلاع على صفحات تاريخ تلك المرحلة ثم عايشت جدا.. ذعرا وخوفا ونحن الصف الرابع الابتدائى مأساة مدرسة بحر البقر والجريمة البشعة والخسة والندالة من عدو غادر جبان ألقى قنابله على أطفال فى عمر الزهور فاختلطت دماؤهم الذكية وكراستهم وكتبهم بالتراب الطاهر فى معقل العلم.. ترك هذا الحادث الغادر مأساة عشناها صغارا وسمعنا دقات قلوبنا تقفز من صدونا خوفا من نفس مصير تلاميذ بحر البقر ظلت هذه المشاعر تنتابنا حتى بدد نصر أكتوبر كل هذه المخاوف وزال الكابوس الذى ظل يطاردنا كل لحظة نقضيها بين جدران الفصول.. وكلما مررت بشارع رمسيس أمام مدرستى الابتدائية تستدعى ذاكرتى كل لحظة عشتها داخل المدرسة فكانت جزءا من تكوين شخصيتى ولبنات بنائى وتكوينى ناصر الزعيم الذى كان بالنسبة لنا ونحن فى سنواتنا الأولى اسطورة أشبه بسوبر مان الذى نقرأ عنه ونشاهد أفلامه.. سريا حب ناصر مجرى الدماء فى عروقنا.. نشأنا فى مدارسى الثورة وعولجنا فى مستشفيات الثورة وحصدنا العدالة الاجتماعية التى حققتها ثورة ناصر العظيمة.
>>>
تشكلت حياتنا من كل الأحداث بحلوها ومرها التى عاصرناها منذ الطفولة وحتى اليوم من لبنات العدالة الاجتماعية التى حققها ناصر فسكن القلوب إلى اليوم.
