اليوم يوم عرفة أفضل يوم اشرقت عليه الشمس أفضل أيام الله على الاطلاق وهو ما يجعل له مكانة خاصة وهيبة وجلالاً تلامس قلوب كل المؤمنين العارفين المتطلعين إلى لحظة من الرضا والنور العلوى لينتشلهم من اوحال هذا العالم الترابى ويحلق بهم فى افاق بلا حدود قد تقارب سدرة المنتهى حسب القدرة والقوة الايمانية التى تنساب وتفيض حبا ووجدا متيما.
واذا كان اهل عرفة قد فازوا بلحظات التجلى الاعظم فى ارض المشعر الحرام وقد تجردوا من كل متاع الدنيا وطهروا انفسهم وقلوبهم من كل ادران الحياة رافعين اكف الضراعة يجأرون بكل عزم وقوة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.. فى مشهد مهيب رهيب تشيب له الولدان هنا حيث تسكب العبرات.
مواضع فيها الخشية وفيها البكاء وفيها الضراعة إلى الله جلَّ وعلا أعظم موضع وأفضل بقعة..
فلا أقل لنا أن نكون معهم بقلوبنا ومشاعرنا تطير الافئدة إلى هناك وتتعلق على الاستار ترفرف الأرواح هائمة علها أن تصيب قبسا أو فيضا من نور التجلى الأعظم علها أن تصيب بعض الشذرات عندما يباهى الله بعباده فى أرض المشعر الحرام مخاطبا الملائكة الكرام المقربين.. انظروا إلى عبادى جاءونى شعثا غبرا.. اشهدكم يا ملائكتى انى قد غفرت لهم..
ولعل هذا ما يكشف أسرار التعلق القلبى والروحى باهل عرفة ومتابعتهم خطوة بخطوة وهمسة بهمسة انها الرغبة والامل فى أن يصيبنا ما اصابهم من نعيم ومن انوار وتجليات فيض الكريم المتعال..بإذن الله..
إذا لم تكن من أهل عرفة فتشبه بهم فإن التشبه بالحجيج فلاح..
هم تجردوا للذكر والعبادة الخالصة لله القوا بالدينا خلف ظهورهم عقدوا صلحا خالصا مطهرا مع خالقهم تابوا وندموا وعزموا على ألا يعدوا تخلصوا من كل الصفحات السوداء بدءوا عهدا جديدا ليعودوا كيوم ولدت امهاتهم بيض الصحائف غر الوجوه مشرئبو الاعناق لتطاول عنان السماء..
المتأمل للصورة وكيف جعل الله الأيام العشر من ذى الحجة منحة ربانية سامية لكل المسلمين وليس لحجاج بيته الحرام فقط لأنها أول خطوة وأول توجيه لتكونوا مع اهل عرفة لا تنفصلوا عنهم تعلقوا بهم بقلوبكم وافئدتكم اخلصوا فى العبادة وتجردوا لله ابتعدوا عن الشقاق والنزاع والجدال حتى لا تفشلوا وتذهب ريحكم .. تمسكوا بحبل الله المتين تفلحوا.. كونوا عباد الله إخوانا.. لا فرق بين غنى وفقير ولا أبيض ولا أسود الكل أمام الله سواسية .. لن تأخذ معك شيئا من حطام الدنيا فهى غرض زائل لا تساوى عند الله جناح بعوضة..لن تخرج منها الا بهذا الازار الذى يرتديه جميع الحجاج.. بلا استثناء..
وسائل الاتصال الحديثة تمنح فرصا هائلة لتعيش مع أهل عرفة حركاتهم وسكناتهم تستمتع بلحظات الفيض والتجلى والابتهال إلى الله وكل ما يحدث فى المشعر الحرام..ما عليك الا أن تشاهد بقلبك وكل جوارحك وتستحضر العظمة والعبرة والعظة..
تخيل فى كل موقف كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه كيف كانت خطبة الوداع التى ألقاها الرسول يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحى مبشراً أنه «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً».
كيف كانت الخطبة ولماذا كانت يوم الحج الاكبر تحديدا ولماذا اشتملت على كل هذه القضايا العامة الانسانية والاخلاقية فى حضور هذه الجماهير الغفيرة من المسلمين؟ لماذا اكد الرسول على ذكر وتوضيح الحلال والحرام حرمة الدماء والأموال والأعراض والتحذير من التهاون أو الاقتراب من الحقوق والحدود التى حددها الله.. لماذا هذه الوصايا بالنساء تحديدا وحرمة الاموال واكل اموال الناس بالباطل والتعامل بالربا.
اللهم فرجا قريبا وفرحا قريبا يا ارحم الراحمين.
وكل عام وانتم بخير..
والله المستعان ..