يتجه اليوم أكثر من 2 مليار مسلم إلى السماء، بقلوبهم وعقولهم، بعيونهم وألسنتهم فى كل بقاع الأرض بعد أن أرسلوا أكثر من 2 مليون مسلم إلى جبل عرفة الآن فى أطهر بقاع الأرض.
هنا ينظر الله للواقفين على عرفة وينـزل إلى سماء الدنيا، ويباهى بهم الملائكة ويقول:انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى أَتَوْنِى شُعْثًا غُبْرًا، ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ… فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ:أَيْ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، يَقُولُ اللَّهُ:قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ».
فى مثل هذه الساعات يهفو قلبى إلى هناك، ولم أكن أفهم مغزى دعاء سيدنا إبراهيم لله -عز وجل- حين أمره الله بترك ابنه إسماعيل وزوجته هاجر فى بقعة من الصحراء جرداء لا حياة فيها ولا ماء.. دعا سيدنا إبراهيم: « فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم».
لم يقل بشرا ولا ناسا ولا مارة، ولكن قال أفئدة، يعنى قلوب، والقلوب تهوى وتعشق، يعنى لامرور عادى، ولكن عشق وهوى وحب وغرام، وهكذا أدركت معنى وسبب مغادرة قلبى وروحى لجسدى ويذهبان ويحلقان إلى هناك فى هذا التوقيت من كل عام، وكل لحظة استعيد فيها رؤيتى للكعبة أول مرة وقد أصيبت بحالة من الهذيان ودخولى فى مرحلة اللاوعى، والتحليق ما بين الأرض والسماء، خف الجسد وشف.. تباعدت الأصوات والأسماء والأشياء، تلاشت الأرض والحياة بكل مافيها إلى هناك الذى لا أعرفه إلا من يد خفية أشعر بها ولا أراها تأخذ بى.. لم يكن معى فى هذه الرحلة التى لم أعرف زمانها ولا مكانها إلا لفظ الجلالة -الله الله الله الله- الذى لاينقطع من داخلى إلى هذا الفضاء الذى لا أدركه.
لم أكن فى حلقة ذكر بل كنت فى معيته.. لم يكن لى أقدام ولكن أجنحة، لم يكن لى جسد لأشعر بماديتى ودونيتى، ولكن الروح تسبح فى نور، أو النور يسبح فى الروح، حالة لا تشبه الخدر فحسب ولا تشبه اللاوعى ولكن مزيج بين كل هذا وأشياء أخرى لا أدركها حتى الآن رغم مرور السنوات.. رحلة أمتدت من صحن الكعبة ولم أعرف زمانها ولا مكانها، كنت متأرجحا بين هنا وهناك ولا أتذكر إلا آخر كلمات جاءت لى من الأرض من بعيد من الصديق الكاتب الصحفى الكبير محمد أمين وهو يقول للصديق الكاتب الصحفى الكبير ثروت شلبى «هات إيدك فى إيدى»، لأكون بينهم، وآخر جملة سمعتها قادمة من عندكم « إمسك كويس.. يسرى ح يضيع منا».
حين رجعت من هناك بدأ الجسد يعود لى وتدخله الروح بهدوء وتتثاقل الأقدام وأشعر بها كما تشعر بانزال الطيار لعجل الطائرة وملامستها للأرض حين تبدأ فى النزول للمر.. بدأتم تعودون لى بهدوء وأعود لكم «الهوينا «، أشعر بالعرق يتصبب من كل جسدى، لكن ما زال لفظ الجلالة الخارج من داخلى يأخذ بيدى ويحتضننى حتى وصلت إليكم لأجدنى محاطا بقوة بين ذراعى محمد أمين وثروت شلبى التى لولاهما لكنت مدهوسا تحت أقدام الطائفين حول الكعبة!
>حين أسترجع هذا المشهد ومعه مشهد جبل عرفة وقد تغطى بملابس الإحرام البيضاء لأكثر من 2 مليون حاج، وخلفهم 2 مليار مسلم تهفو قلوبهم معهم أشعر بحزن شديد وأنا أعيش حالة العجز الإنسانى الأكبر وأنا أتابع ما يحدث فى فلسطين عامة وغزة على وجه الخصوص.
>2 مليار مسلم لا يستطيعون إنقاذ قبلتهم الأولى ومسجدهم الأقصى من دنس الصهاينة، 2 مليار مسلم لا يستطيعون إنقاذ 2.25 مليون مسلم من أكبر حرب إبادة تبث وقائعها على الهواء مباشره فى غزه طوال الـ24 ساعة ومنذ 8 أكتوبر 2023. العالم كله فقد إنسانيته معنا!
> 2 مليار مسلم لا يتحركون لإنقاذ الأطفال والرضع والشيوخ والنساء من المحارق والمجازر وهدم المنازل على رءوسهم.. العالم كله فقد إنسانيته معنا!!
>2.4 مليار من المسيحيين فى العالم لا يتحركون لإنقاذ إخوانهم من هذه المذابح وإنقاذ مهد ومزارالمسيح وأقدم كنائسهم وأماكنهم المقدسة من الهدم والتدنيس!
>أكثر من 500 مليون عربى لا يتحركون لإنقاذ بلد عربى من الضياع للأبد، وهم فى الطريق ضحايا للمخطط الصهيونى بالتهام المنطقة كلها من المحيط الخليج، ولو على مراحل لإقامة إسرائيل الكبرى، وأتوقع تغيير شعارها المعلق على جدران الكنيست الإسرائيلى «من النيل إلى الفرات» إلى «من الخليج « العربى إلى المحيط « الأطلنطى «.. كل ذلك والعالم فقد إنسانيته معنا!!
< يعنى حوالى 5 مليارات نسمه لا يستطيعون مواجهة 15.7 مليون يهودى حول العالم، أو بالأحرى 6.9 مليون يعيشون فى إسرائيل.
< يضحى اليوم المستطيعون من الـ2 مليار من المسلمين بالأضحية تنفيذا للأمر الآلهى «فصل لربك وانحر»، واقتداء بما فعله سيدنا إبراهيم بعدما استجاب للأمر الآلهى بذبح ابنه إسماعيل وحين هم بالذبح وبعد طاعة وخضوع الابن، فداه الله «وفديناه بكبش عظيم «.
< نضحى نحن بالأضحية، والصهاينة يضحون بنا جميعاً فى فلسطين فى مجازر وحرب إبادة جماعية.. كل ذلك والعالم فقد إنسانيته معنا!!
< سألت نفسى هل يحق لى و2 مليار مسلم أن نحتفل بالعيد اليوم وكلنا يشاهد حمامات الدم فى غزه وفلسطين وجبال الجثث فى أكبر المقابر المفتوحة وأنقاض المبانى والأرض التى تبكى والشجر الذى يحترق والأطفال الذين يصرخون والنساء التى تلطم الخدود والشيوخ التى تذهب نظراتهم للسماء ولا تعود.. جاءت الإجابة من طفل صغير اشاح وجهه عنا وهى يبكى: «لكم عيدكم ولنا».
لم يكمل جملته بعد أن انفجر جسده وتحول إلى إشلاء من سيل من رصاص قادم من هناك!!