«العيب» ليس مجرد كلمة تُقال لوصف تصرّفٍ غير لائق، بل هو مبدأ أخلاقى ومقياس مجتمعى لما هو مقبول أو مرفوض. لكن هل يمكن أن يفقد «العيب» معناه؟ هل يمكن أن يتحوّل من تصرّفٍ مذموم إلى سلوكٍ عادى أو حتى مبرر؟ يحدث ذلك حين تتغيّر موازين الأخلاق بفعل التكرار، أول ما يسقط «العيب» حين يرتكب الشخص الذى يُفترض به أن يكون قدوة فعلا مشينا، تسقط صفة «العيب» عن الفعل تدريجيا، لأنه لم يأتِ من غريب، بل من شخص يُفترض أن يعرف الصواب من الخطأ. وحين يُرتكب العيب باسم «الظرف»، كأن يقول البعض إن الظروف أجبرته على فعل معين، فيُبرَّر الفعل بدلا من استنكاره. وهكذا يبدأ العيب فى فقدان معناه، لأننا لم نعد نُدينه كما
يجب، بل نبحث له عن مبررات . والأخطر أن يصبح العيب مقبولا فقط لأن مصدره «أهلى»، أو أصدقائى العيب عندما يصدر من أصحابه « أى من اعتادوا عليه أو برروه لأنفسهم « لا يعود مرفوضا فى المجتمع، بل يصبح «مألوفا وهنا تحدث الكارثة الأخلاقية الكبرى: سقوط المعايير، وضياع الأخلاق، وتحول العيب إلى عادة.
إنّ المجتمعات لا تُبنى بالقوانين فقط، بل تُقام على أعمدة من القيم والتقاليد التى تحفظ توازنها ومن بين تلك القيم، تأتى فكرة «العيب» كمبدأ أخلاقى غير مكتوب، لكنه حاضر فى وجدان الناس وأحاديثهم وسلوكهم. غير أنّ هذا المبدأ، شأنه شأن كل شىء، قابل للسقوط حين تختل موازين الوعى الجمعى، ويختلط الصواب بالخطأ، أول سقوط للعيب يكون من أهله حين يصدر الفعل المعيب ممن يُفترض بهم أن يكونوا رموزا للتهذيب والخلق القويم، يفقد الفعل قبحه فى أعين الناس. فالمجتمع يتعلم بالأمثلة، فإذا جاءت القدوة مشوّهة، لا يلبث أن يُسقط وصف «العيب» عن أفعال كانت يوما مستنكرة. وتكتمل دائرة الانحدار الأخلاقى حين يُصبح العيب عادياً فقط لأنه صادر من جماعة اعتادت عليه . فالناس « فى كثير من الأحيان « لا يُدينون الفعل، بل يُدينون فاعله بحسب انتمائه. فإن صدر من خصم، فهو مرفوض ومُدان، وإن صدر من قريب أو حليف، فهو زلّة مغفورة ويبلغ السقوط مداه حين يسكت الناس عن العيب، لا لأنهم يجهلونه، بل لأنهم ألفوه. والناس، بطبيعتهم، أسرى المألوف، فإذا رأوا الخطأ شائعاً، لم يرفضوه، بل خافوا أن يبدوا مختلفين . وهنا يصبح العيب بلا أثر، لا يثير استهجاناً، ولا يبعث على الخجل، بل قد يُدافع عنه ويُحتفى به، فالمشكلة الكبرى ليست فى ارتكاب العيب، بل فى زوال الحياء منه، المجتمعات لا تنهار دفعة واحدة، بل تتآكل من الداخل حين يُسقط الناس المعايير، ويُبدّلون المبادئ بحسب الهوى، العيب إذا صدر من جاهلٍ، نُعلّمه . وإذا صدر من صغيرٍ، نُرشدُه . أما حين يصدر من أهله « من الكبار، من أهل المكانة، من أصحاب التأثير « فالمصيبة أعظم، والخطر أشد . لأن الناس تنظر إلى هؤلاء بوصفهم مرجعاً وقدوة. فإذا تهاوت القدوة، انكسر الحياء فى عيون الناس، فالعيب لا يُقاس بمكانة فاعله.
وختاما لست مع مبدأ التجاوز عن العيب والسكوت عنه وعدم الاهتمام به تحت شعار دع الأمور تسير دون أزمات لأن هذا مبدأ يضع الرءوس فى الرمال ويقلب الحقائق ويجعل من الخطأ صوابا ومن الصواب خطأ… فلنعش بكرامة ولنحيا على القيم التى تربينا عليها ونحافظ على المجتمع من كل ما يخرج على الاصول ويهدم المبادئ. وعلى كافة المؤسسات المعنية يقع عبء ترسيخ القيم الفاضلة ونبذ العيب والتصدى له من خلال كافة المنابر الدينية والإعلامية والتعليمية والثقافية بما يليق باسم الجمهورية الجديدة التى ينشدها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
حفظ الله مصر.. وحما شعبها العظيم وقائدها الحكيم