ما تقوم به إسرائيل فى غزة والضفة الغربية وجميع الأراضى الفلسطينية المحتلة.. فاق الحدود والوصف والخيال.. وهذه العبارة «فاق الحدود والوصف والخيال» ليست بلاغة لغوية أو صورة بيانية أو تشبيها أو أى نوع من أنواع إبداع «لغة الضاد».. إنما هذه العبارة هى أقل ما يمكن أن ينقل أو يصور للقارئ أو المستمع أو المشاهد أو المتلقى «فى أى مكان أو زمان» المدى الذى وصل إليه الإجرام الإسرائيلى ضد شعبنا الفلسطيني.. إن المذابح والمجازر وجميع طرق القتل والحرق والتعذيب والتجويع التى سمعنا عنها سواء فى كتب التاريخ أو الأساطير أوحتى فى «هوليوود» وأفلام الخيال العلمي.. كل هذا وغيره صار بالفعل «غيض من فيض» أو «قطرة من بحر» إذا تمت المقارنة بينه وبين الأفعال التى تقوم بها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية ضد البشر والشجر والحجر.. إبداع إسرائيل فى القتل والإرهاب والإجرام ضد الشعب الفلسطينى «أمام مرأى ومسمع العالم».. «إبداع» إسرائيل الإرهابى الإجرامى مثلما حير خبراء شئون الإستراتيجيا والسياسة والاقتصاد والعسكرية فإنه أيضا أتعب علماء اللغة والبلاغة!!.. ما تقوم به إسرائيل الآن فى فلسطين ضد شعب بأكمله هو نوع جديد من الوحشية لم تشهده من قبل جميع حروب التاريخ.. ولم تجرؤ على تخيله «سينما» الرعب والانتقام!!
أتحدث اليوم إن شاء الله سبحانه وتعالى «عما تقوم به إسرائيل» فى الأراضى الفلسطينية وفى الشرق الأوسط.. من خلال أربعة أشخاص.. سيدتان فلسطينيتان.. وبرلمانيان أحدهما أمريكى والآخر إسرائيلي.. وكما قلت وأشرت إلى أن الواقع أو الحقيقة «المشهد أو الصورة» لا تحتاج مزيدا من الشرح أو التوضيح.. لذلك سأكتفى بنقل الحدث كما هو.. ثم أحاول بعد ذلك تقديم قراءة أو رؤية من خلال ما يمكن أن يمثله كل شخص من هؤلاء الأربعة فوق «مسرح الأحداث».
السيدتان الفلسطينيتان اللتان أتحدث عنهما هما آلاء النجار ونعمة شهوان.. الأولى طبيبة.. بينما كانت تسعف وتداوى داخل المستشفى جرحى وجوعى وضحايا الهجمات الإسرائيلية الوحشية.. بينما هى كذلك كان جيش إسرائيل يوجه صواريخ إحدى غاراته الجوية على منزلها فتشتعل النيران فى المنزل.. يحترق الأطفال التسعة ويصلون المستشفى جثثا متفحمة.. ووفقا لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية نقلا عن الصيدلانية سحر النجار شقيقة أم الأطفال الشهداء.. فإن سحر عندما قالت لشقيقتها من هول الصدمة: «الأولاد راحوا يا آلاء» ردت أم الشهداء عليها «هم أحياء عند ربهم يرزقون».. ووفقا لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية أيضا فإن الأطفال الشهداء التسعة أكبرهم يبلغ من العمر «اثنى عشر» عاما وأصغرهم «ستة أشهر».
أما نعمة شهوان.. فهى تلك الفلسطينية التى ملأت صورتها مواقع التواصل الاجتماعى وكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية وهى تناشد كل ذى قلب فى هذا العالم أن يعمل كل ما فى وسعه.. ليس من أجل أن تحصل على «كسرة خبز» أو جرعة ماء أو ثمن كفن تلملم فيه بقايا جثامين أبنائها.. نعمة شهوان تناشد أصحاب القلوب الرحيمة فى هذا العالم أن يتدخلوا لدى جيش إسرائيل لكى تتمكن هذه الأم من رفع أشلاء اثنين من أبنائها «من الشارع» قبل أن تأكل الكلاب جثتيهما!!.. ابنا هذه السيدة استشهدا إثر قصف اسرائيلى لهما بعدما خرجا من المنزل بحثا عن رغيف خبز.. ولم يستطع أحد من الاقتراب من جثتى الشهيدين نظرا لإمطار جنود إسرائيل كل من يحاول الاقتراب بوابل من شتى أنواع النيران!!
الشخص الثالث الذى أقصده فى حديثى اليوم هو نائب رئيس الكنيست الإسرائيلى والمنتمى لحزب الليكود نيسيم فاتوري.. فقد حدث أن نائب رئيس الكنيست هذا دعا صراحة إلى حرق غزة.. ولما تم عرض هذا الأمر على الكنيست باعتبار أن دعوة الحرق هذه صادرة من مسئول ذى ثقل داخل الكنيست.. تم إحالة الموضوع برمته إلى لجنة «الأخلاق» داخل الكنيست لإتخاذ ما تراه فكان الرد القاطع والواضح والصريح والفاجر والذى تم الإعلان عنه الأحد الماضي.. قالت لجنة «الأخلاق» فى الكنيست الإسرائيلى إن دعوة نيسيم فاتورى لحرق غزة لا تخالف المباديء الأخلاقية التى يؤمن بها الكنيست.. وأضافت لجنة الأخلاق «الإسرائيلية» إنه يجوز قول «إحرقوا غزة» لأن هذا تصريح لا يخالف أخلاقيات الكنيست!!
الدعوة لحرق غزة ليست الدعوة الوحشية الإجرامية الإرهابية الأولى التى صدرت عن «نائب رئيس الكنيست».. فقد سبق ودعا فى فبراير الماضى إلى قتل جميع الرجال البالغين فى غزة.. وقال إن إسرائيل تتعامل مع سكان غزة بشكل متسامح أكثر من اللازم!!
الشخص الرابع.. هو عضو مجلس النواب الأمريكى عن الحزب الجمهورى «راندى فاين».. كان فاين حديث وسائل الإعلام العالمية الأسبوع الماضي.. وذلك عندما دعا «الجمعة الماضى» إلى قصف غزة بالسلاح النووى مثلما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان فى الحرب العالمية الثانية.. فخلال مقابلة أجرتها معه قناة «فوكس نيوز» الأمريكية قال عضو مجلس النواب الأمريكى إن القضية الفلسطينية هى قضية «شريرة» وأن النهاية الوحيدة للصراع فى غزة تتمثل فى الاستسلام الكامل والتام.. أضاف عضو مجلس النواب الأمريكى إنه فى الحرب العالمية الثانية لم تتفاوض أمريكا على استسلام مع النازيين ولم تتفاوض مع اليابانيين.. ويقول لقد استخدمت الولايات المتحدة القنابل النووية مرتين ضد اليابان من أجل استسلام غير مشروط.. مشيرا إلى أنه يجب فعل نفس الشيءفى غزة!!
كل ما حدث للسيدتين الفلسطينيتين آلاء النجار ونعمة شهوان.. وكل ما صدر عن نائب رئيس الكنيست الإسرائيلى وعضو مجلس النواب الأمريكى.. كل هذا حدث وصدر أمام أعين العالم.. لكن هل تغير شىء؟!!.. بالتأكيد لا.. المجازر والمذابح الإسرائيلية مازالت تكتب وترسم كل يوم وكل ساعة مآسى جديدة على كل وجه فلسطيني.. والصمت والتشجيع والدعم العالمى لإسرائيل مازال أيضا «كما هو».. التغير الوحيد الذى يمكن ملاحظته هو أن هناك دولاً ونتيجة لأسباب ما «لا تجاهر» بالدعم وتكتفى بتقديم كل العون لإسرائيل «سرا» وهى تدعى الخجل!!!.. أين المشكلة وأين الخلل وما هو الحل؟!!
من أكثر ما يستوجب التوقف عنده فى المشهد العام للقضية الفلسطينية وما تقوم به إسرائيل فى غزة والضفة الغربية وعموم الأرض المحتلة.. من أكثر ما يستوجب التوقف عنده هو ذلك الأمر أو ذلك الشيء الذى وصلت إليه درجة التأييد والتواطؤ الدولى مع الإجرام الإسرائيلى ضد شعب أعزل بأكمله.. أصبح البعض ينظر لأى مسئول أوروبى أوأمريكى متعاطف مع «القضية».. أو مندد بمجازر الأطفال داخل المستشفيات.. أو يدعو إلى رفع الحصار وإدخال قليل من الخبز إلى غزة.. أصبح البعض بنظر إلى هذا المسئول الأوروبى أو الأمريكى وكأنه «قومى عروبي».. فقط لأنه تعاطف أو ندد أو دعا.. فيا ترى كيف ينظر هؤلاء إلى ذلك المسئول إذا تجرأ واتخذ قرارا أو إجراء فعليًا على الأرض ضد إسرائيل؟!
إسرائيل نجحت فى أن تجعل العالم «يعتاد» جرائمها وإرهابها ومجازرها ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني.. إسرائيل تفعل ما تشاء والعالم لا يريد أن يتجاوز دائرة الشجب والتنديد والشعور بالمرارة.. وإذا حدث وأن أراد العالم أن يتحرك أو يتخذ خطوة ملموسة ضد الإجرام الإسرائيلى فإن الذى يتحرك هنا هو «العالم الشعبى» وليس «العالم الرسمى».. مظاهرات عديدة هزت أوروبا وأمريكا «تعاطفا» مع الشعب الفلسطيني.. لكن على المستوى الرسمي.. مستوى الدول والحكومات فإسرائيل مازالت هناك «هى إسرائيل» صاحبة المكانة والحصانة.. رغم جميع قنابل الدخان التى تحاول الإيحاء بغير ذلك!!
فى تاريخ الصراع العربى- الإسرائيلى.. هناك أخطاء عدة شابت جميع المحاولات العربية لوقف التمدد والتغول الصهيونى المتصاعد.. كان من أبرز هذه الأخطاء هو الإفراط فى التعويل على القوى الدولية لتأييد الحق العربي.. الاتحاد السوفيتي.. ثم الولايات المتحدة.. فهذا التعويل بعد ما يقرب من ثمانين عاماً من الصراع لم يقدم للحق العربى وفى المقدمة منه الحق الفلسطينى أى شيء حقيقى يذكر.. لذلك بجب على الجميع الآن إدراك درس التاريخ جيدا.. والتأكد من أن أى حق لا يستطيع الدفاع عنه «حق الدفاع» إلا أصحابه وأهله.
فى كتاب «وجع فى قلب إسرائيل» للمفكر الراحل أنيس منصور.. فى هذا الكتاب والذى صدرت طبعته الأولى فى عام «1977» يروى أنيس منصور واقعة كان شاهدا عليها أثناء حضوره إحدى الفعاليات الثقافية الدولية فى العاصمة النمساوية «فيينا».. يقول: لم نكد نجلس فى مقاعدنا فى القاعة الضخمة بأحد الفنادق الكبرى حتى تطايرت أوراق على مقاعدنا.. إنها «منشور» وزعه الوفد الإسرائيلى على كل الأعضاء المشاركين فى الفعاليات «300 عضو» من خمسين دولة.
جاء فى المنشور الإسرائيلي: «مضت ثلاثون عاماً على الحرب العالمية الثانية.. ثلاثون عاماً على قتل النظام النازى لملايين من يهود أوروبا.. ذلك النظام الذى آمن بالعداء للسامية وإبادة الشعوب.. إن القرار الذى اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أدان الصهيونية كحركة عنصرية تماما كالفاشية والنازية.. وقد صدر هذا القرار بمبادرة وتصويت من الدول العربية ودول العالم الثالث وكتلة الدول الشيوعية».. وأضاف المنشور الإسرائيلي: «إن مثل هذا القرار الذى ليس له مثيل ضد مذهب تاريخي.. انحراف شائن ضد حقائق التاريخ والإنسانية والأخلاق فى هذا العصر.. إنها امتهان لذكرى كل ضحايا التمييز العنصرى فى كل العصور وخاصة اليهود.. فما هى الصهيونية «هكذا يتساءل المنشور الإسرائيلي» ويجيب: إنها حنين اليهود للعودة إلى أرضهم التاريخية.. كما أن الصهيونية منذ القرن التاسع ليست إلا منظمة سياسية تعبر عن هذا الأمل.. ويواصل المنشور أكاذيبه العظمي: الصهيونية هى حركة التحرير القومية الوحيدة التى اتجهت إلى تحقيق الأمل منها دون استخدام القوة أو الحرب وإنما عن طريق العمل وإنشاء المستعمرات الزراعية وتخصيب الأراضى البور..!! ويستطرد منشور إسرائيل: الصهيونية هى حركة الاستيطان الوحيدة التى لم تعمل على طرد السكان الأصليين من أرضهم وإنما اختارت أن تعيش معهم وأن تعاونهم لا أن تستغلهم أو تحاربهم وإنما أن تعيش معهم فى سلام.. ويبلغ المنشور الإسرائيلى ذروة العجب والمأساة عندما يقول: «الصهيونية لم تدع إلى كراهية العرب لا فى الدعاية ولا فى الأدب ولا فى الصحف ولا فى المدارس» !!
بالنظر إلى هذا المنشور الإسرائيلى الذى ورد فى كتاب أنيس منصور قبل ما يقرب من خمسين عاماً.. ثم النظر إلى ما يجرى الآن فى الأراضى الفلسطينية.. يمكن القول أن هذه الملائكية التى قدمت بها إسرائيل «الصهيونية» لوفود خمسين دولة فى «مؤتمر فيينا».. هذه الملائكية المدعاة استخدمتها إسرائيل على مدى «سنين طويلة» فى كافة المحافل الدولية.. فى أوروبا وأمريكا ومختلف أنحاء العالم.. من أجل خدمة الهدف الصهيونى الكبير فى إقامة إسرائيل الكبري.. هذه الأكاذيب الإسرائيلية انطلت على كثير من الدول والتى صدقت وآمنت وتعاطفت ثم أيدت ودعمت كل ما قامت وتقوم به إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.. لقد عرفت إسرائيل مبكرا كيف تسوق «باطلا» وتستقطب له أنصاراً ومؤيدين ومريدين.. فى حين ضل أصحاب الحق «طريق» الوصول إلى «مكان الطريق»!!!
من أروع ما ذكره أنيس منصور فى كتابه «وجع فى قلب إسرائيل».. هو ما قاله الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن الصهيونية.. فقد ذكر أنيس منصور أنه خلال زيارة قام بها الرئيس السادات إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. حدث أنه زار «نادى الصحفيين» فى واشنطن.. وتحدث هناك عن خطر الصهيونية على الشرق الأوسط.. قال الرئيس السادات داخل نادى الصحفيين فى العاصمة الأمريكية: «لقد عرفنا الكراهية والحقد والمرارة والحرب والضياع والتشرد.. عندما عرف الشرق الأوسط هذه الصهيونية» !!
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.