أصبح غالبية المصريين خبراء فى الاقتصاد.. ليس بحكم دراستهم أو تخصصهم العلمى كسائر الخبراء الذين تتعامل معهم برامج القنوات الفضائية.. ولكن بحكم متطلبات حياتهم المعيشية واحتكاكهم بالأسواق ليل نهاروتدبير أحوالهم، خاصة فى المأكل وفواتير السكن والكهرباء والغاز والمياه والمحمول والنت وأيضا وسائل النقل الجماعى التى زادت بشكل غير مسبوق، خاصة بعد تحريك أسعار المحروقات خلال السنوات الأخيرة.
أما متطلبات الملبس والتنزه والترفيه والتعامل مع دور السينما أو المسرح أو المصايف، فقد صارت خارج اهتمام الأسرة المصرية التى تنفق أغلب دخلها على الطعام والدروس الخصوصية لفلذات الأكباد الذين تعقد عليهم الآمال فى مستقبل مشرق لهم يكافئ عبء السنين ومشوار الحياة.. لم يصبح غريباً أن تخرج بعض السيدات الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعى تستعرض قدراتها فى تدبير وجبة غذائية لأسرة من أربعة أفراد لا تتعدى تكلفتها خمسين جنيهاً ليخرج عليها النشطاء يتهمونها بالكذب والنفاق.. وإن كان هذا لا يفيدها فى شىء طالما أنها تحقق ما يسمى بـ «التريند» وتحصل على مكاسب طائلة عبر عالم الإنترنت الذى يغرى آخرين على التكسب حتى ولو تخلوا عن القيم والأخلاق!
>>>
من أبرز اهتمامات الناس خلال السنوات الأخيرة، متابعتهم لاجتماعات لجنة السياسات النقدية والمالية للبنك المركزى التى تعقد اجتماعاتها كل ستة أسابيع للنظر فى تحريك أو تثبيت سعر الفائدة فى البنوك سواء للإيداع أو الإقراض.
كانت أسعار الفائدة فى البنوك مواكبة للارتفاع فى معدل التضخم السنوى الذى كان قد وصل فى العامين الماضيين إلى نحو 36 ٪، مما دفع البنك المركزى لرفع سعر الفائدة الذى تتعامل به البنوك إلى نسبة 30 ٪ بالنسبة للودائع السنوية، وقد رتب أصحاب الودائع الادخارية التى تعتمد عليها كثير من الأسر المتوسطة أحوالهم بالنسبة لهذه الدخول الدورية التى تصب فى موازنتهم الشهرية.
لكن المفاجأة، جاءت هذا العام لأصحاب هذه الشهادات البنكية بالبدء فى خفض سعر الفائدة تدريجياً، حيث بدأ فى أواخر مارس الماضى خفضها بنسبة 2.25 ٪ ثم يوم الخميس الماضى بنسبة 1 ٪ ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يتم خفض سعر الفائدة إلى 12 ٪ مع منتصف عام 2026.
بالتالى بدأ يشعر هؤلاء المدخرون البسطاء بهذا النقص الشديد فى عوائد مدخراتهم لدرجة يستحيل معها تعويض هذا النقص بإضافة ما يرد إليهم من عائد فى زيادة مدخراتهم، بل الأكثر أن مدخراتهم تتعرض للنقصان المستمر بفضل التضخم السنوى، حتى ولو قيل لهم إنه سوف لا يزيد بنفس نسبة الفائدة، وهذا غير صحيح مقارنة بسعر الذهب الآخذ فى الارتفاع، الذى لا يستطيع هؤلاء المدخرون الاستثمار فيه، لأنهم يعتمدون على عوائد الشهادات الادخارية فى شئون حياتهم.
>>>
لكن يبقى السؤال الأهم، وهو مدى مواكبة الأسواق لهذا الخفض المستمر فى سعر الفائدة، وهل سيحدث انخفاض فى أسعار السلع والخدمات التى يفترض أن المستثمرين العاملين فيها يقترضون من البنوك بأسعار الفائدة المنخفضة الجديدة.. وبمعنى آخر أن الأسعار التى ارتفعت فى فترة ارتفاع الفائدة وتعامل أصحاب الأعمال والمستثمرين برفع أسعار سلعهم وخدماتهم سوف يتعاملون مع انخفاض هذه الفائدة الجديدة ويخفضون من أسعار سلعهم التى ارتفعت؟!