بدأت أوروبا والكثير من دول العالم تدرك مؤخرا ومتأخرا أن ما تفعله آلة الحرب الصهيونية فى غزة هى إبادة جماعية بالدمار والتجويع ومنع الغذاء والماء والدواء، وليس كما يدعى نتنياهو بأن الهدف هو استعادة الرهائن ولا حتى القضاء على حماس والتخلص منها، خاصة وأنه يرفض كل العروض والحلول التى تؤدى إلى ذلك.
خلال الأيام الماضية، زادت وتيرة الانتقادات والإجراءات الأوروبية ضد حكومة دولة الاحتلال، بعد انتشار مشاهد توثق المجاعة والأوضاع الإنسانية المأساوية التى يعيشها المدنيون العزل والأطفال والنساء فى قطاع غزة، وكثفت وسائل الإعلام والمنصات العالمية من نشر مشاهد الأطفال الجياع وأظهرت حقيقة ما يجرى على الأرض وكيف وصل تدهور الأوضاع إلى حد غير مسبوق، رغم إدعاءات ومزاعم تل أبيب الزائفة.
واتخذت بريطانيا خطوة غير مسبوقة واستدعت سفيرة إسرائيل لديها بشأن توسيع العمليات العسكرية فى القطاع، وقال وزير الخارجية البريطانى ديفيد لامى، لا يمكن أن نقف مكتوفى الأيدى فى وجه التدهور فى غزة، لقد علقنا المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية بشأن اتفاق التجارة الحرة معها، وهدد بأن لندن ستتخذ خطوات أخرى، وقال إن توسيع إسرائيل العملية العسكرية لا يمكن تبريره أخلاقيا وهذه ليست طريقة لإعادة الرهائن، كل الرهائن تقريبا فى غزة أفرج عنهم عبر المفاوضات وليس بالقوة، وأن خطة إسرائيل لن تقصى حماس ولن تجلب الأمن، ووصف الوزير البريطانى ما يقوله الوزير المتطرف اليهودى سموتريتش عن تطهير غزة بأنه تطرف خطير ووحشى وندينه بأشد العبارات.
ومما يعتبر جديدا وتصحيحيا فى الموقف البريطانى، قال ديفيد لامى: ننسق مع شركائنا بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما علقنا مبيعات الأسلحة لإسرائيل التى يمكن استخدامها فى غزة، وأن بلاده لن تتخلى عن حل الدولتين الذى يبقى الإطار الوحيد لسلام عادل ودائم.
إضافة إلى ذلك، هدد قادة بريطانيا وفرنسا وكندا بمعاقبة إسرائيل باتخاذ «إجراءات ملموسة»، إذا لم توقف هجومها العسكرى المتجدد واستمرت فى منع دخول المساعدات إلى غزة، كما أكد البرلمان الأوروبى، أن ما يحدث غير مقبول ونحن نعمل من أجل حل الدولتين وضمان سلام دائم فى المنطقة.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسى جان نويل بارو دعم باريس لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، لمعرفة ما إذا كانت تل أبيب تحترم التزاماتها تجاه حقوق الإنسان، ودعا إلى فتح تحقيق رسمى حول مدى احترام إسرائيل بالاتفاقية، والتى تنص على أن العلاقات بين الطرفين يجب أن تبنى على مبدأ «احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية».
وندد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بسياسة نتنياهو بشأن المساعدات، واصفا إياها بأنها «غير مقبولة ومخزية»، وعلى الدول الأوروبية أن تدرس فرض عقوبات إضافية.
وشهدت عواصم ومدن أوروبية عدة مظاهرات جديدة حاشدة تضامنا مع غزة شارك فيها عشرات الآلاف، تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطينى، ورفضا لاستمرار العمليات العسكرية، التى دخلت شهرها التاسع عشر.
ومن داخل إسرائيل، قالت صحيفة «معاريف» العبرية، إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أصبح قلقا بشكل كبير على محنة الفلسطينيين فى غزة والمجاعة الإنسانية، ولم يعد صبورا على نتنياهو، ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن مصدر مطلع أن مساعدى ترامب نقلوا رسالة إلى إسرائيل: «سنتخلى عنكم إن لم توقفوا الحرب فى غزة».
كما كشفت مصادر لموقع أكسيوس الإخبارى الأمريكى، أن ترامب أبدى إحباطا متزايدا من استمرار الحرب فى غزة، وطلب من مساعديه إبلاغ نتنياهو برغبته فى إنهاء الصراع، وأنه تأثر بشدة بصور معاناة الأطفال الفلسطينيين، وهو ما دفعه للضغط من أجل إنهاء الحرب، لكنه فى نفس الوقت ليس مستعدا للتخلى عن إسرائيل.
الآن ما يزيد على 127 دولة أكدت استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويجب استثمار هذه الصحوة، وثورة التصحيح من المجتمع الدولى لإعادة الحق الفلسطينى.