قولاً واحداً وبالأدلة تُعد جماعة الإخوان الإرهابية من أبرز التنظيمات التى تثير الجدل فى أوروبا؛ إذ لاتزال تشكّل تحديًا كبيراً للأمن المجتمعى والاستقرار السياسى فى القارة العجوز. فرغم مرور عقود على وجودها فى الساحة الأوروبية، لا تزال الجماعة تعتمد على إستراتيجيات مراوغة وتكتيكات متعددة الأوجه، أبرزها التلاعب بالرأى العام عبر خطاب المظلومية، والمعايير المزدوجة فى التعامل مع القيم الديمقراطية، والانتهازية السياسية لتعزيز حضورها فى المؤسسات الأوروبية. وبينما تتصاعد الدعوات السياسية والأمنية للحد من نفوذ الجماعة فى أوروبا، يبقى السؤال حول مستقبلها حاضرًا بقوة، خاصة فى ظل الإجراءات القانونية المتزايدة ضد أنشطتها فى دول محورية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا. فى هذا التقرير، نسلّط الضوء على واقع جماعة الإخوان فى هذه الدول، ونستعرض بشكل نقدى أساليبها فى التأثير والاستقطاب، والتحديات التى تواجه مستقبلها فى أوروبا.
فرنسا
الخطر الإخوانى يظهر فى الكثير من الدول الأوروبية فى مقدمتها فرنسا حيث تشير تقارير حكومية فرنسية حديثة إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية تعمل عبر تنظيمات فرعية محلية على تقويض قيم العلمانية فى المجتمع الفرنسي، وأن انتشار «الإسلام السياسي» منها يشكل تهديدًا لتماسك البلاد، ويؤكد التقرير أن هذا التهديد، وإن كان طويل الأمد وظاهره يبدو غير عنيف، فإنه قد يضرّ بنسيج مؤسسات الجمهورية الفرنسية، كما أثار التقرير مخاوف من تمويل بعض الجهات لمنظمات تابعة للإخوان لتعزيز نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك حملة مناهضة «الإسلاموفوبيا» التى دُشنت تحت عنوان «الحرية فى الحجاب» واعتُبرت محاولة لإضفاء الشرعية على أجندة الجماعة الداعية لتضييق هامش الحريات الدينية والعلمانية.
وأفاد التقرير أيضًا أن الرئيس ماكرون كلف حكومته بإعداد إجراءات عاجلة لمواجهة نفوذ الجماعة، فى إطار تكثيف الخطاب الرسمى ضدّ «التنظيمات الإسلامية المتطرفة».
بريطانيا
تشير التحليلات إلى أن الجماعة فى بريطانيا ينشطون عبر جمعيات محلية ودولية. فقد وصف وزير مجلس العموم البريطانى السابق مايكل غوف جمعية «الجمعية الإسلامية البريطانية» (MAB) بأنها ذراع محلية للإخوان، وأكد تقرير حكومى فى 2015 هيمنة الجماعة عليها. ومع ذلك، أعلن رئيس الوزراء البريطانى آنذاك ديفيد كاميرون أن حكومته لن تحظر الجماعة، معتبراً أن ارتباطاتها بالراديكاليين لا تزال «ضبابية» وتستغل التنظيمات التابعة للجماعة فى بريطانيا شبكة من الجمعيات الثقافية والخيرية لجذب الشباب والتأثير فيهم، عبر أنشطة دينية وترفيهية تقدمها غالبًا تحت مظلة إسلامية دون الإفصاح علانيةً عن أهدافها السياسية.
فى ألمانيا، يقدّر جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) عدد الناشطين المرتبطين فكريًا بالإخوان بحوالى 1040 شخصًا، وترى السلطات أن فكر الجماعة يسعى لبناء نظام حكم يرفض فصل الدين عن الدولة، ما يجعله مناقضًا للدستور الديمقراطي، ولم تُصنّف الجماعة رسميًا كمنظمة إرهابية، غير أن الأجهزة الأمنية حذّرت من أن مجموعاتها تسعى لاختراق الدولة باستخدام الوسائل المختلفة، وقد بدأت السلطات مؤخرًا باتخاذ إجراءات عملية ضد امتدادات محلية يُشتبه بأنها إخوانية: ففى سبتمبر 2024 حظرت ولاية براندنبورغ مركزًا إسلاميًا محليًا واعتبرت أنشطته «مناهضة للدستور» وترتبط فكريًا بالإخوان. وتجسد هذه الخطوات رغبة ألمانيا فى منع أى نشاط دعائى يُنظر إليه على أنه إضعاف للقيم الوطنية، وحظر المؤسسات الدينية التى تنشر خطابًا معاديًا للمجتمع.
إستراتيجيات فى التأثير
خطاب المظلومية: حيث تعتمد التنظيمات المرتبطة بالإخوان على سردية تزعم إن المسلمين يتعرضون للاضطهاد أو التمييز فى الغرب. فقد استُخدمت بعض الشعارات المناهضة لـ»الإسلاموفوبيا» كغطاء دعائي، كما كشفت التقارير عن حملات «مناهضة للتمييز مثل حملة «الحرية فى الحجاب»، التى تروّج لفكرة أن حرية ارتداء الحجاب هى جزء من حقوق المسلمين، ما يعطى هذه المبادرات طابعًا حقوقيًا فى الوقت الذى تحمل فيه أجندة سياسية ضيقة الانتهازية السياسية: فقد أسست الجماعة هيئات تمثيلية تدّعى التحدث باسم المسلمين وتروّج لمواقف سياسية إخوانية. على سبيل المثال، وُصفت «الجمعية الإسلامية البريطانية» (MAB) بأنها ذراع محلية للإخوان، وأكد تقرير رسمى فى 2015 هيمنة الجماعة عليها. وتعتمد هذه الهيئات على إظهار وجود موحد للإسلام السياسي، وتحاول الوصول إلى مواقع صنع القرار بالمشاركة فى المؤسسات الاجتماعية والثقافية لإيهام الرأى العام بوجود تأثير جماهيرى لها.
التلاعب بالرأى العام والخدمات الاجتماعية: حيث تسعى تنظيمات الإخوان إلى التأثير على المسلم العادى من خلال خدمات اجتماعية وتعليمية مجانية أو شبه مجانية، مثل الدروس الدينية والمخيمات الصيفية والنشاطات الشبابية، التى تُقدم ضمن إطار قيم إسلامية متشددّة. فتقوم بتقديم برامج ثقافية ورياضية وإرشادية تصبّ فى تعزيز الارتباط بالدين ونشر فكرة أن الحلول السياسية هى ضمن منظور دينى واحد وعندما تواجه هذه الأنشطة نقدًا أو محاولات إغلاق، تحوّل الجماعة ذلك إلى حملة اضطهاد؛ فتجمع حول قضيتها عناصر من المجتمع المسلم ممن يشعرون بأنها تتعرض لمؤامرة، مما يساعد على تضخيم حضورها الشعبى خارج الأطر الرسمية.
المعايير المزدوجة: فالجماعة تعمل على فرض رؤاها الدينية على المجتمع الأوروبى مستخدمة أحيانًا مبادئ حقوق الإنسان كغطاء. فعلى سبيل المثال، طالبت مجموعات مرتبطة بالإخوان فى البرلمان الأوروبى بتجريم «التجديف» كرد على محاولة إلغاء حظر الحجاب فى دول أوروبية، بحجة أن حرية التعبير يجب أن تُقابلها حرية دينية مطلقة، وهذا النهج يهدف إلى تصوير الغرب على أنه غير صادق فى تطبيق مبادئ الديمقراطية والحرية، وللمطالبة بمعاملة خاصة للأقليات المسلمة بناءً على تحالفات سياسية انتهازية.
موقف الحكومات الأوروبية
تختلف مواقف الحكومات الأوروبية تجاه جماعة الإخوان الإرهابية، ففى فرنسا صدر تقرير حكومى يحذّر من نفوذ الجماعة داخل البلاد ودعا الرئيس ماكرون إلى اتخاذ تدابير قانونية لمواجهة أنشطتها . وأكّد وزير الداخلية الفرنسى أن الحكومة ستراجع علاقتها مع المنظمات ذات الصلة بالإخوان، دون وصم المسلمين جميعًا، ضمن جهود مكافحة «التفرقة الدينية» التى بدأ العمل بقانونها عام 2021، أما فى بريطانيا، فقد رفضت الحكومة البريطانية حظر الجماعة بشكل كامل، لكنها أعلنت أنها ستراقب نشاطاتها عن كثب. فقد خلصت مراجعة رسمية إلى أن بعض نشاطات الجماعة ترتبط بإيديولوجيات متطرفة «ضبابية»، لكنها رأت أن الأدلة ليست كافية لاعتبارها منظمة إرهابية، وفى المقابل، قام الوزير البريطانى السابق مايكل غوف بإعادة تعريف مفهوم «التطرف» ليشمل مجموعات مثل MAB المرتبطة بالإخوان، وأنشأ مركزاً جديداً لمكافحة التطرف يجمع المعلومات الاستخباراتية عن الجماعات المتطرفة
فى ألمانيا، تُكتفى السلطات بمنع أى أنشطة تتعارض مع القانون الأساسي، فقد وصفت تقارير الاستخبارات الداخلية الألمانية نهج الجماعة بأنه يحاول، «تحت ذرائع قانونية»، اختراق الدولة والمؤسسات لضغط أجندته دون استخدام العنف، وحذرت الأجهزة الأمنية من مجموعات مرتبطة بها تنشر مقولات معادية للمجتمع. وفى خطوة عملية، أغلقت ولاية براندنبورغ مركزًا إسلاميًا محليًا فى 2024 بعدما أثبتت التحقيقات ضلوعه فى نشر مواد معادية للدستور وحاملة لأفكار إخوانية، وتعكس هذه الخطوات رغبة ألمانيا فى إحباط أى نشاط دعائى يُنظر إليه على أنه يخدم التطرف الإسلامى مستقبل الجماعة فى ظل التحولات السياسية الأوروبية مع تصاعد النزعات اليمينية فى أوروبا وارتفاع حدة النقاش حول الإسلام السياسي، يتوقع المراقبون تشديد القيود على أنشطة جماعة الإخوان وأفكارها. فقد دعا بعض السياسيين الأوروبيين إلى تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أو على الأقل فرض ضوابط مالية مشددة عليها. وفى هذا السياق، كشفت تقارير أن الاتحاد الأوروبى يدرس فرض قيود على تمويل المنظمات الإسلامية، خاصة بعد فضيحة تمويل منظمة الإغاثة الإسلامية (Islamic Relief) التى تجاوزت ميزانيتها 40 مليون يورو، إذ تبيّن أن عناصر مرتبطة بالإخوان ساهمت فى توجيه تلك الأموال، كما بدأت بروكسل تشديد مراجعة المنح الممنوحة للمنظمات الدينية، لضمان عدم دعم نشاطات تتعارض مع قيم الاتحاد العلمانية.
ويعتقد خبراء أن هذه البيئة السياسية والقانونية ستجعل من الصعب على الإخوان توسيع نفوذهم فى أوروبا، وبالتالى احباط الكثير من تحركاتها لخدمة اجندتها،فبحسب وثائق مُطلعة على تقارير أجهزة الأمن الأوروبية، يُنظر الأن إلى الجماعة كتهديد طويل الأمد لتماسك المجتمعات الأوروبية والدولة الديموقراطية، وفى ظل استمرار الرقابة المشددة والإجراءات القانونية، يرى هؤلاء الخبراء أن دور الجماعة فى المستقبل سيُقتصر على الأنشطة المدنية والثقافية داخل الجاليات المسلمة، بعيدًا عن مواقع اتخاذ القرار السياسية، وبناء على ذلك، من المتوقع أن تظل حركة الإخوان فى أوروبا هامشية ومحدودة التأثير، ما لم تغير من إستراتيجياتها الجذرية أو تنضبط تحت إطار قانونى واضح، وهذا النهج الأوربى فرصة جيدة أتت لتقديم ما أمكن من أدلة تدعم التوجه الإرهابى للجماعة وانها ليست جماعة دعوية مدنية كما تزعم وإنما جماعة عنف ولديها أجندات للسيطرة وتنفيذ مخططاتها بالسلاح، وكذلك اظهار حقيقة علاقاتها بجماعات الإرهاب المتأسلمة حول العالم، فأوروبا الآن مستنفرة ضد الإخوان ولديها شكوك تتحول رويدا رويدا إلى حقائق وإذا نجحنا فى تأكيد هذه الشكوك بما يثبتها فسوف ندعم فكرة الحصار على الجماعة الإرهابية فى منطقة مثلت بالنسبة لها طوال العقود الماضية مساحة تحرك جيدة.