أعترف بأننى لم أجد تفسيرا لهذه الحالة النادرة جداً والطريفة أيضاً.. سلسلة من المصادفات جعلتنى أعيش تفاصيلها وأبحث عن تفسيرها ولا أصل إليه.
كنت أستعد للسفر فى رحلة عمل إلى العاصمة الفرنسية باريس.. وأصر صديقى الطبيب إصراراًَ غريباً على اصطحابى إلى المطار رغم مشاغله ورغم اضطراره للحصول على إجازة طارئة ليتمكن من ذلك.. وفى الطريق إلى المطار تحدث طويلاً عن مشكلة تؤرقه وتعكر صفو حياته وتسبب له حرجاً شديداً.. وبعد مقدمات وتمهيدات طويلة كشفت مدى تردده فى البوح بسره الدفين.. قال إن مشكلته تكمن فى رابطة العنق أو الكرافت أو «الجرافتة.. قال انه لا يستطيع ربط الكرافت أبداً وأن كل المحاولات لتعلم «الربط» باءت بالفشل وهو ما يجعله مضطرا لاستعمال رابطات عنق «مربوطة» أو سابقة الربط على طريقة سابقة التجهيز.. وفى هذه اللحظة شد رابطة العنق الأنيقة التى يلبسها لاكتشف أنها مثبتة برباط مطاطى تماماً كرابطات عنق الأطفال فى المدارس.. وطلب صديقى أن اشترى له أى عدد من هذا النوع من رابطات العنق خاصة تلك التى يتم تثبيتها باستخدام مشبك معدنى بدلاً من الرباط المطاطى المحرج.
اعترف أن قصة صديقى الطبيب هونت عليَّ مشقة السفر الطويل.. فقد كنت استغرق فى الضحك كلما تذكرتها وأتخيل أننى سأكون موضع سخرية عندما ابحث عن رابطات العنق «سابقة الربط» فى عاصمة الموضة.. ولكنى اكتشفت هناك أنها متوفرة بكثرة وأن الكثيرين يستخدمونها لأنهم يعانون من نفس مشكلة صديقى الطبيب البارع. بدا الأمر لى شديد الغرابة.. فصديقى هذا طبيب بارع بل هو من أشهر الجراحين فى أحد أصعب التخصصات الطبية.. فهل يعقل أن الأنامل الذهبية التى تجرى أصعب الجراحات تعجز عن ربط رابطة عنق؟.
ظلت قصة صديقى الطبيب تراودنى باعتبارها حدثاً فريداً حتى قادتنى المصادفة إلى ما هو أغرب منها. فوجئت ذات يوم باتصال هاتفى فى وقت متأخر من الليل من مسئول مهم فى مؤسسة خدمية كبرى تربطنى به صداقة قديمة، يستفسر عما إذا كنت استطيع اصطحابه فى جولة تسوق خاصة يوم العطلة الأسبوعية.. وخلال الجولة التى استمرت عدة ساعات كان يبحث عن نوع من الأحذية بمواصفات خاصة أهمها أن تكون من النوع الذى ليس له رباط.. وتصادف أن هذا النوع من الأحذية كان خارج «الموضة» وان الأحذية الخالية من الرباط كان وجودها فى المحال التجارية هامشياً ومن النوع الردىء.. وخلال الحوار اعترف لى انه لا يجيد ربط الحذاء حتى الآن.. ولا يعتقد انه سوف يستطيع أبداً. ومرة أخرى وجدت نفسى أمام حالة نادرة غريبة.. مهندس بارع وإدارى لامع ورب أسرة كبيرة ولا يستطيع ربط الحذاء.. كيف ولماذا؟.. لا إجابة.
أعرف شخصاً لا يستطيع أبداً أن يوقد موقد الغاز المنزلى.. أو ربما يخاف خوفاً مسيطراً يمنعه من مجرد المحاولة.. وهو لهذا السبب يستعمل كل أشكال المواقد والسخانات الكهربائية حتى لا يضطر إلى الاستعانة بأحد الأصدقاء ليساعده فى إعداد كوب شاى أثناء غياب زوجته.. وأعرف آخر يستعمل أحدث أنواع الهواتف المحمولة ورغم انه جامعى ويشغل موقعاً مرموقاً إلا أنه لا يعرف من وظائف الهواتف التى يقتنيها أكثر من الرد على المكالمات، وقد أوقعه ذلك فى حرج كبير عندما تلقى مكالمة من شخص مهم جداً فى العمل ولم يرد عليها فى وقتها وبالطبع لم يعرف كيف يدخل إلى قائمة المكالمات المفقودة أو «الميسد كول» ولم يستطع الاتصال به، وتلقى توبيخاً عنيفاً لأن أحداً لا يصدق أنه لا يعرف كيف يستعمل الهاتف الذى فى يديه.