تؤكد التجربة أن الثقافة هى «حائط الصد» الحقيقى لحماية المجتمعات من غزو الأفكار الدخيلة عليها، فالحرب التى تشهدها البشرية حاليًا هى فى الأساس صراع فكرى يستلزم أن تتسلح الدولة بكل أدوات الوعى والمعرفة للمواجهة.
ويخطئ من يختزل المعركة فى المواجهة الأمنية أو العسكرية، فمثل تلك المواجهات تأتى كخط دفاع أخير تلجأ له المجتمعات بعد أن تتفاقم المشكلة، وتتحول «الفكرة» إلى «مواجهة» وخروج على المجتمع.
مصر لديها تجربة عميقة وممتدة فى هذه المواجهات، شاركت فيها كل مؤسسات الدولة لتأمين وحماية هذا البلد الذى شاء قدره أن يقع فى قلب إقليم مضطرب، وما نراه فى سوريا والعراق وفلسطين وليبيا والسودان واليمن خير شاهد.
وسط هذه المعطيات، هل يمكن لعاقل أن يقبل بغلق قصور الثقافة بالمدن والقرى بحجة توفير النفقات؟ كيف يمكن لمسئول أن يقدم على خطوة كتلك فى الوقت الذى نحن أحوج ما نكون فيه لتعزيز دور الثقافة فى كل ربوع الوطن؟
هذه التساؤلات وغيرها أضعها أمام الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة، وأطالبه بمراجعة ما يحدث داخل محافظة القليوبية، فما يرتكب حاليًا بدمج وغلق العديد من المقار «جريمة» مكتملة الأركان فى حق الوطن.
أكتب هذا بمناسبة ما وقع تحت يدى من تعليمات مدير عام ثقافة القليوبية بشأن اجتماع عُقد يوم الأربعاء 7 مايو حيث تقرر غلق ثمانية مواقع تابعة لهيئة قصور الثقافة فى كل من: طوخ وقها وسنديون وشبين القناطر وشبرا شهاب وأبوزعبل والشموت وأجهور الكبري. مع غلق أندية الأدب المؤجرة بالمواقع المذكورة، وتوزيع العمالة بها.
ثم تقرر استثناء طوخ وسنديون وشبين القناطر وأجهور الكبرى من القرار، مع الاستمرار فى إغلاق المراكز الأربعة الأخرى ومن بينها مركز ثقافة مدينة «قها».
يتردد كلام كثير عن تدخل شخصيات عامة لتعديل التعليمات، بدليل أنه تم الإبقاء على مركز ثقافة «سنديون» رغم أنها قرية، مع الاستمرار فى غلق مركز ثقافة «قها» رغم كونها مدينة تخدم عشرات القرى والنجوع والعزب التابعة.
بأى معيار تم تعديل القرار؟ وبأى ضمير يصدر مثل هذا القرار من الأساس؟
والقضية ليست مفاضلة بين قرية صغيرة ومدينة أكبر منها، ففى النهاية هذه كلها بلاد مصرية، والقضية من حيث المبدأ مرفوضة. والخطير فى الأمر أن مدير فرع القليوبية يستخدم اسم وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة فى قراراته – وهى تحت يدى – بغلق هذه الفروع.
وقد علمت بوجود قرار سابق بتخصيص مساحة 704 أمتار لإقامة موقع ثقافى نموذجى وبيت ثقافة قها لخدمة المدينة والقرى التابعة لها، ولم يدخل حيز التنفيذ.
أضع هذه السطور أمام ضمير وزير الثقافة د.أحمد هنو، وأطالبه بوقفة حاسمة وفورية تجاه هذه المهزلة، لأنه أيًا كانت قيمة الإيجار المطلوب توفيره بغلق هذه الفروع، فهو ثمن زهيد مقابل تأمين وعى وضمير المجتمع الذى قدم أبناؤه الكثير من التضحيات للحفاظ على كيانه ومقوماته.