يعد واحدا من الكتّاب الذين دخلوا عالم الصحافة من بوابة الشعر رغم خلفيته العسكرية.. وكانت «نداهة» الصحافة أقوى فى داخله فسار فى بلاطها رغم أشواكها الكثيرة التى طالته.. ولم يكن ذلك غريبا فى القرن الماضى الذى شهد مثله أسماء كبيرة دخلت من هذه «البوابة» بينهم صلاح حافظ وصلاح جاهين وعبدالرحمن الشرقاوى وفتحى غانم وصالح مرسى وصبرى موسى وعلاء الديب ود. عبدالقادر حاتم بلدياته وكمال رفعت وكان مبدعا.. وعاش مرحلة تحدى المواجهة بين مشروعه العسكرى فى الكلية الحربية ومشروعه المهنى الذى خاطب ابداعه الأدبي.
صحيح ان تجربته تقول انه هجر الشعر بعد نكسة 1967 فقد اصابته النكسة بـ «العقم الشعرى» وانغمس فى مهام الصحفى والكاتب وهموم المهنة.. وانفصاله عن الشعر لكنه حلق فى افقه ونثره عبر مقالاته التى طالما كانت تنبض بدقات قلب الشاعر دائما فى دواوينه السبعة ومؤلفاته المختلفة.. عشق الصحافة بحس الشاعر المرهف وانغمس فى عالمها وحاز على رئاسة مجالس الإدارة والتحرير فى تجربة ثرية وفى جريدة الثورة التى أسسها الرئيس جمال عبدالناصر وأدارها الرئيس محمد أنور السادات ومعها خاض معارك الصحافة فى الستينيات فى فترة التحول الكبيرة فى مصر ولعل كتابه المهم «مذكرات رئيس تحرير» قد أبرز جوانب من تجربته وسط المحبين له والقريبين منه أمام الخصوم الذين خاض معهم معاركه من الذين عاشوا مرحلته سواء فى المساء مديرا لتحريرها أو فى الجمهورية.. مصطفى بهجت بدوى المولود فى الاسكندرية فى 28 نوفمبر 1921 بعد مولد جمال عبدالناصر بثلاث سنوات والتحق بعد حصوله على الثانوية العامة بالكلية الحربية وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية عام 1942.. وكان قبل التحاقه منخرطا فى حزب «مصر الفتاة».. فى رحلته محطات مهمة مع العسكرية ومع الصحافة والشعر عندما تقرأ عناوين دواوينه أو كتبه تجد مزجا بين السياسة والشعر هكذا فى «رسالة إلى المسيح» و«قضية العمر»، «الحالم» وفى مؤلفاته الصحفية كلام عنا وعن إسرائيل من 5 يونيو إلى 6 أكتوبر 1973 وسلام على النبى وصحابته.. تميز فى حياته العسكرية وعالم الصحافة بالنبل والصبر وعفة اللسان.. كان باحثا عن فرص الاستقامة كما وصفه من زاملوه عسكريا ومدنيا.
كان يتميز بأنه فى عروبته يتنفس الوطنية الخالصة والعروبة الأصيلة ولم يعتمد فيهما على الشعارات والهتافات باعتبار انها ريح تعصف بما فى طريقها فقد كان واضح العقل ثابت اليقين آمن بالمستقبل وتقرب إلى الله وأحب فلسطين ومعها أصدر ديوانه الأول ضمن فيه قصيدته الطويلة «لن تموت فلسطين» والتى نذرها لقضية حلم فيها أن يرى الدولة ومات وعمره 81 عاما ولم ير الدولة وفى ديوان «وجدان حائر» فى تجربته الشابة الحالم عام 1947 عبر عن وجدانه كشاب وضابط وطنى شارك حرب 1948 وعاد إلى قاهرته بعد الحرب وفى قلبه الجرح الكبير «حرب فلسطين» أو ما اصطلح على تسميته من أبناء جيله بـ «النكبة» وهو الضابط الذى حمل رقم دفعة 1942 وضمنها فى كتاب اسماه «سبتمبر 42» على هامش عهود فاروق وعبدالناصر وروى حكاية دفعته التى ضمت زميله كمال الدين رفعت وكمال حسن على وأمين شاكر وحسن التهامى وآخرين وبالرغم من انه ليس واضحا انخراطه مع الضباط الأحرار لكنه واضح انه لم يكن بعيدا عنهم.. وكان نفسه مصطفى بهجت حريصا على عدم الاقتراب فى كتبه من هذه المرحلة.. لكن ما يمكن أن تؤكده كتاباته انه من شبابها الموثوق بهم والمشهود لهم بالكفاءة.. ولا يستغرب أن يرشح كبار النقاد والأدباء والمفكرين كتابه «مذكرات رئيس تحرير» انها تكملة واقعية لروايات فتحى غانم من خلال الحياة الصحفية «الرجل الذى فقد ظله» و«زينب والعرش» و«الافيال» فقد تعرض لسهام جارحة.. ورغم ذلك أكد العارفون به وبعضهم مازال على قيد الحياة انه كان يملك صفاء النفس وشجاعة الروح التى ترتفع عن الصغائر.. والحقيقة كان لهذا الضابط الكبير والكاتب النبيل محطات حياته بها قدريات سواء فى التحاقه بالكلية الحربية أو التحاقه بالعمل الصحفى ودراساته للحقوق.
النشأة والمولد
ولد فى 28 نوفمبر 1921 تدرج فى مراحل التعليم المختلفة حرص والده التاجر ابن التاجر ويسكن فى بولكلى برمل الاسكندرية حتى حصل على البكالوريا وكان الاتجاه فى ذاك الوقت لدى مجموعة كبيرة من خريجيها الالتحاق بالكلية الحربية بعد توقيع معاهدة 1936 وكانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت فى سبتمبر 1939 فى الوقت الذى حاز فيه على الشهادة وتصادف وقتها صيفا ان طائرات ايطالية ضربت الاسكندرية وكان وقتها موسويلينى يرسل رسائله ضد الحلفاء باعتباره من مجموعة المحور ووصلت إلى «شارع ألن» وللمصادفة هذا الشارع الذى ترك فى ذهن مصطفى بهجت بدوى اثرا كان موضوعا لمقال له عام 1938 فى جريدة «الثغر» الاسبوعية التى تصدرها جمعية مصر الفتاة والتى كتب فيها بجرأة وسط الاحتلال يطالب بتغيير اسم الشارع فى دعوة لتمصير الأسماء.. وبعد الغارة استقل القطار ليس للهجرة أو الهروب لكن للالتحاق بالكلية الحربية وسط القطار سمع فى كل محطة شائعات عن الغارات على الاسكندرية كلها مبالغات.. وفى القاهرة حمل الدوسيه «الملف» وفى ذهنه انه لا بد من واسطة ليدخل الكلية الحربية مثله مثل جمال عبدالناصر كما يقول فى كتابه «حكايات سبتمبر» انه – أى عبدالناصر – بحث عن واسطة ليدخل الكلية وتوصل إلى عبدالمجيد ابراهيم صالح باشا احد اقطاب الأحرار الدستوريين وأحد أعيان أسيوط الذى ساعده فى جواز المرور.. بالطبع لم يعلم الباشا ان الفتى عبدالناصر بعد 16 عاما من هذا التاريخ سيقود ثورة ضد الاقطاع فى مصر.
وفى 6 سبتمبر 1940 بينما الجميع يتابع حرب «هتلر» تحدد دخول المقبولين من دفعة مصطفى بهجت بدوى والتالية دفعتين متتاليتين الثقافة ليوليو 1938 والتوجيهية ليوليو 1939.
استدعاء مخيف
وفى يوم استدعاه فى الكلية اليوزباشى فؤاد الدجوى بسبب خطاب وصله من صديق له فى الاسكندرية اسمه مصطفى كمال وابلغه الدجوى الذى أصبح فيما بعد الفريق فؤاد رئيس المحكمة العسكرية العليا فى الستينيات ومدير مصلحة خفر السواحل وأبلغه بأن مثل هذه الخطابات مضرة.
وكان بهجت بدوى أثناء وصوله القاهرة لديه خطة زيارة البيت الأخضر – مقر مصر الفتاة – فى وقت يرى المصريون جميعا أهمية طرد الاحتلال وكلهم مشحونون بالوجدان الوطنى وكان سكرتير الحزب وقتها محمد صبيح.. وبالفعل لم ينس أن يلتقى أحمد حسين فى الحزب واستقبله لأن مصطفى بهجت بدوى الشقيق الأصغر لأستاذه د. حلمى بهجت بدوى وكان احمد حسين وفتحى رضوان الأقرب إلى قلبه وتنبأ لهما بمستقبل عظيم بسبب خطاب إلى صديقه توفيق الحكيم وكان مصطفى يعرف احمد حسين عندما ألقى قصيدة فى افتتاح فرع الحزب بمحرم بك.
الزواج
بين رحلة الشعر والميدان العسكرى والعمل بالصحافة تزوج الكاتب الصحفى مصطفى بهجت بدوى من السيدة سميحة يوسف بدوى التى تنتمى إلى عائلة بدوى بالمنوفية وليس الاسكندرية أو الدقهلية حيث ولد مصطفى بهجت وعائلة بدوى فى المنوفية تتوزع بين عدد من المراكز فى الباجور وتلا ومنوف والسادات وكان ثمرة الزواج 3 أولاد بنتين هى الدكتورة ناجية طيبة الأطفال التى تزوجت زميلها د. محمد عبدالعزيز استاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس وتوفى دون الأربعين وترك صدمة كبيرة لدى الكاتب مصطفى بهجت حيث توفى شابا وانجب 3 أولاد بينهم طفل لم يصل الرابعة بعد وابنه المهندس محمد المهتم بالعمل الهندسى فى الانشاءات والعمارة أما ابنته الثانية د. آمال مصطفى بهجت بدوى فهى طبيبة تزوجت زميلها فى الكلية الدكتور أسامة عبدالقادر سالم استاذ طب العيون بجامعة عين شمس ومع زواج ابنائه شغله وزوجته احفادهما فى مسكنهم بمصر الجديدة الكائن بشارع دسوق والذى عاش فيه والده التاجر ابن التاجر حيث كان لديهم مصانع للمكرونة فى الاسكندرية وبالمصادفة تم تأمين ممتلكات والده وظل بدوى حبيبا للثورة وقيادتها.
وفى حوار هاتفى سريع مع صهره د. أسامة سالم الذى ينتمى أيضاً لعائلة سالم التى تولى وزارة الاتصالات شقيقه محمد سالم وزير الاتصالات الأسبق يقول تعرفت على زوجتى ابنة الكاتب الكبير ولم أجد أفضل منه خلقا كان وقتها عام 1983 كاتبا فى الأهرام وترك مناصبه فى الجمهورية ودار الهلال.. وأمام تأخر استلام شقتنا استضافنا 3 سنوات فى منزله فقد كان رجلا خلوقا مهذبا هادئا فعلا ومعه رؤساء دول ورؤساء وزراء.
ويقول الدكتور أسامة كان الكاتب الكبير عطوفا على أحفاده وعندما توفى زوج شقيقة زوجتى وترك ولديه وطفل 4 سنوات احتضن الأسرة وعندما حازت ابنته على عقد بالسعودية سمح لها مع الصغير بالسفر وعاش معه ولداها لارتباطهما بمدارسهما وتابع تعليمهما ومدارسهما.. وعاش عام 90 مصدوما بوفاة الدكتور محمد عبدالعزيز الطبيب الشاب زوج ابنته فقد تميز بحب الأسرة واحتضان أبنائها أحفاده جميعا بنين وبناتاً.. ويداوم السؤال عليهم وكذلك زوجته رحمها الله التى توفت عام 2016.
ويومه يبدأ بالذهاب إلى الأهرام والعودة أو يلتقى أصدقاءه ويذهب للمسجد القريب من منزله بشارع دسوق وأحيانا يذهب إلى نادى السينما وفى المنزل كان مرتبطا بالمسلسلات والدراما المصرية خاصة من تأليف د. أسامة أنور عكاشة.
الطريق إلى صاحبة الجلالة
كانت البداية مع مجلة الثغر فى الاسكندرية وكانت تجربته فى مجلة التحرير التى أصدرها شباب الصحفيين أصحاب الحماس وكانت فيها أهم خطواته إلى عالم الصحافة منذ تفرغ للعمل بها عام 1956 حتى وفاته كاتب فى الأهرام عابر المحطات رئيس مجلس ادارة ورئيس تحرير فى دار الجمهورية للصحافة فى المرة الأولى والعودة وبينهما دار الهلال قبل أن يصدر السادات قرارا فى السبعينيات لتعيينه كاتبا فى الأهرام.. ففى مجلة التحرير ارتبط بصداقات مع أحمد حمروش وعبدالمنعم الصاوى وعبدالرحمن الشرقاوى وحسن فؤاد وعبدالغنى أبو العينين ومأمون الشناوى وصلاح حافظ وزهدى وسعد الشاشة وعلى الدالى وسعد لبيب والغالبية منهم من روزاليوسف وجريدة المصرى وكان أول رئيس تحرير اليوزباشى أحمد حمروش وبعد العدد الثالث تولى ثروت عكاشة رئاسة تحريرها قبل أن يبلغه الرئيس السادات بأن «البكباشي» يعنى الرئيس عبدالناصر أصدر أمره بمسئولية اصدار اعداد التحرير إلى بهجت بدوى وان عكاشة سيتوجه إلى دار الهلال.. وقال للرئيس السادات ان هذا العدد «عدد الأزمة» فقال لأنور السادات لايوجد مواد صحفية ولا محررين ولا رسامين ووضع فى تجربة صعبة وفى اجتماع لحل الأزمة حضره مصطفى أمين بمكتب مصطفى أمين أوضح السادات بأهمية اصدار العدد وان ناصر كلفه بإصدار صحيفة يومية جديدة باسم الجمهورية واستغرب مصطفى بهجت من كلام مصطفى أمين للرئيس السادات الذى استصعب اصدار الجريدة التى يتحدث عنها الرئيس السادات وقتها «الجمهورية» فيما كان ثروت عكاشة قد نقل إلى سويسرا وبعدها ملحقا عسكريا فى باريس.. وكان ثروت عكاشة قد رغب فى فترة 58 الحاق بدوى بالعمل معه عندما شغل منصب وزير الثقافة وطلب منه إدارة مكتب مطبعة مصر التى كانت تتبع وزارة الثقاقة واعتذر بدوى بحجة ان صلاح سالم رئيس إدارة دار التحرير فى رحلة علاجية بأمريكا وان بدوى يشغل رئيس مجلس ادارة بالنيابة واعتزر من عكاشة بحجة بدوى وهذا لم يكن موقف أول مع ثروت عكاشة بل ان عكاشة الذى تولى الثقافة «66-70» وكان وقتها بدوى يعمل عضوا متميزا لدار الهلال طلب منه المرور عليه فى قصر عائشة فهمى التى كانت تشغله وزارة الثقافة وعندما دخل مكتبه بادره بهجت بضحكة «مش كنت تبلغنى مبكرا حتى ارتدى البدلة التى أقابل بها الحكام.. فقال له ما انت هتبقى من الحكام!!» وعرض عليه تولى مؤسسة المسرح ويبدو وقتها كان هناك خلاف بين عبدالمنعم الصاوى وعكاشة غير معلنة!! بحسب كتاب «حكايات سبتمبر» ورفض ،عاتبه عكاشة انه يرفض طلبه للمرة الثانية.
«التحرير» على فراش الموت
ومع صدور مجلة التحرير فى الأعداد التالية صدرت ترويستها بدون اسم بدوى فقد كان السادات عرض عليه الجمهورية فى أغسطس 1953 وكان بدوى يدرس فى آخر سنة فى كلية الحقوق واعتذر للسادات الذى تحدث لعبدالناصر عنه بثناء أمامه والاعلانات تملأ الشوارع عن الاصدار الجديد الجمهورية فى مرحلة المخاض قبل 7 ديسمبر.. وهنا بدأت حكاية جديدة له مع السادات.. دارت الأيام ودخلنا فى عام 1956 بعد أن ودع القوات المسلحة ليجد نفسه مطلوبا للمشاركة فى اصدار جريدة المساء التابعة لدار التحرير التى يترأسها السادات ولم يكن يتخيل بدوى نفسه انه فى مايو 1965 سيكون هو نفسه رئيسا لمجلس ادارة دار التحرير واستمر ذلك حتى 1966 بعد مروره بالعمل فى مجلة التحرير مديرا 52-1953 وشركة الإعلانات الشرقية 1959-1962 وعضوا منتدبا بدار التحرير 62-1963 وعضوا منتدبا لدار الهلال 64-65 ورئيس مجلس الإدارة.. بعدها انتقل عضوا منتدبا بدار الهلال 1967-1971.
معركتة مع صالح جودت
فى عام 1971 صدر قرار عودته لدار التحرير ليتولى رئاسة تحريرها ومجلس إدارتها «71-1975».. وبعدها كان قرار النقل كاتبا متفرغا بالأهرام حتى وفاته.
يعتبر رجال الصحافة الاعلام فى السبعينيات أن مقالات صالح جودة فى المصور وتوفيق الحكيم فى الأهرام ورد مصطفى بهجت بدوى كانت كاشفة للذين يقفون مع أو ضد أنور السادات وثورة يوليو خاصة بعد تعيين آل أمين فى الأهرام أولاً ثم فى أخبار اليوم.
وبدأت معركة محاكمة الستينيات بين الجمهورية والمصور وامتدت بعد ذلك إلى مواقع أخرى ويكشف مصطفى بدوى فى كتابه كيف كانت تؤجل المقالات للكتَّاب عن النشر بفعل فاعل فى الجمهورية ومنها مقال لصلاح عيسى الذى كان مقررا نشره فى 18 مارس 1974.. ورد عليه المسئول انه ضد الدولة وكان المقال بعنوان «هل الدولة تريد إلغاء التاريخ» ونشر المقال فعلا فى اليوم التالى وفى كلامه مع مسئول المقالات الذى كان «يسرب أخبار الجمهورية» التى سيرد فيها الاستاذ صالح جودت يوم الخميس ردا على مقال المصور على مَنْ نطلق الرصاص بمقال تعالوا إلى كلمة سواء.. والحقيقة كنت قد عشت هذه الفترة كاملة وكان مقال بدوى أحد أهم المقالات التى يحملها طلاب الجامعة ويروجون لها فى أندية الفكر وكانت رسالة أحمد حسين المحامى أهم الرسائل التى وصلت لبدوى خاصة ان بدوى لم تنقطع صلته بمصر الفتاة رغم انطفاء سراج نشاطه.. لكن ما أثار بهجت بدوى ان الزميل الذى عرقل نشر مقال صلاح عيسى فى الجمهورية وسمع انه سيكتب مقاله تعالوا إلى كلمة سواء وفوجئ بعد دقائق بمكالمة من صالح جودت يبلغه سيادتك ستهاجمنى وفهم ساعتها «الفولة» أن الطابور الخامس يحيط به وكان هذا الكلام عن المقال الأخير الذى لم ينشر ودار الحديث عن مقال آخر نشره فى 18 فبراير من نفس العام بعنوان «كلام عن حرية الصحافة» ويكشف بدوى معارك ساخنة أديرت من وراء ظهره أنه فى 3 أكتوبر 74 قبل الاحتفال بالذكرى الثانية لحرب أكتوبر دعاه وزير الإعلام كمال ابو المجد وهى دعوة بعد لقاء الذكرى الرابعة لوفاة جمال عبدالناصر وأبلغه باجتماع مع الصحفيين وسيبدأ بالجمهورية – بحسب كتاب مذكرات تحرير – وطلب منه ترشيح من يحضر فقال له لا أرشح أحد ليحضر الجميع فقال أبو المجد هناك 12 شخصا من الجمهورية اختلفوا فرفعه ضدك فأبلغه أبو المجد سنجتمع بهم ومعك وفعلا حضر وكانت وبحضور عبدالحميد حمروش العضو المنتدب الذى استمر فى منصبه مع محسن محمد الذى تولى بعد بدوي.. واللافت أن الجلسة كان بها ما أطلق عليه بدوى «البهلواني» الذى منع مقال صلاح عيسى ودار ما دار فى حوار الـ 12 ومعهم بدوي.. وفى ظنى أنها سابقة لم تحدث فى صحافة بعض المتقدمين بشكوى يواجهون رئيس الإدارة ودار حوار مطول ورد بدوى على الجميع بهدوء حتى ضد من تطاول عليه واتهموه باتهامات باطلة ونشر ردوده فى المذكرات باسم «الفقير إلى الله» وبالمستندات ورمز إلى المتحدثين بالبهلوان والمشتت وكداب الزفة ود. مرثيدس الحاصل على الدكتوراة من جامعة ماركس فى المانيا الشرقية سابقا.. والمخبر وانتهى الأمر بهدوء لصالح بدوى وكان كثير من الشكاوى الخفية قد أرسلت بعد ذلك مع اتهامات شفهية كان لا يرد عليها لإيمانه بأن جريدة الجمهورية لابد أن تستثمر وإلا تدمج مع أخرى وفشلت المعارك المصطنعة ضده.. ويقف أبناء الجمهورية طويلا عند مقاله الرائع الجمهورية بلغت الرشد عندما وصل عمرها إلى 20 عاما.. ودخل على الخط الكاتب جلال كشك وبعدها نشر افتتاحية الجمهورية أنها حققت أرباحا من وقع قسم التحصيلات بها وأنها مستقرة ماليا.
أيام لا تنسى
مواقف مهمة فى حياته لا يمكن أن ينساها وهى أنه على موعد مع نكسة يونيو 1967 مدعوا مع وفد صحفى لزيارة الجبهة يوم 5 يونيو وقبل الحرب بأيام أبلغته الشئون المعنوية بتأجيل الزيارة.
وفى يوم الاثنين 5 يونيو كان صدمه له كما صدمت آخرين حرب الساعات الست بهجوم العدو على مطاراتنا.. جلس يتذكر كيف كنا سنكون لو كنا وسط «المعمعة» دى تحت قصف طيران العدو ووسط حزنه فى 18 يونيو استجاب لنداء مصر وترك موقعه بالقاهرة وسافر إلى السويس والإسماعيلية ليرى الجانب الآخر من قناة السويس.. ليرى بعين رأسه جنود الاحتلال على الشط الآخر ويستزيد المزيد من الغضب على الوطن العزيز على أرض سيناء وذهب بذكريات شبابه للدفعة أعوام 43 و44 و45 التى كانت خدمته فى أرض سيناء وفى السويس والإسماعيلية وكان بدوى يعتبرها أهم سنوات حياته.
سيناء ديوان شعره الأول
عنها أصدر ديوانه وجدان حائر عام 74 وشهد رحلة سيناء من 43 إلى 67 وسرح فى ذكريات مريرة وهو ينظر إلى سيناء الحبيبة يكفكف الدموع وقال وقصيدته.
حكايته مع السيدة جيهان
فى فبراير 1973 أصدر السادات قراره بإسقاط عدد كبير من عضوية الاتحاد الاشتراكى وعقد اجتماعا باللجنة المركزية حضره عدد من الصحفيين ليشرح لماذا يقيل بعض الصحفيين بهيئة الاستعلامات وكان عبدالقادر حاتم يقف أمام السادات فى استراحته بالقناطر يوم الخميس أول مارس 73 قبل ستة أشهر من حرب أكتوبر وأثناء قراءة الأسماء كانت السيدة جيهان رحمها الله متواجدة وعندما جاء اسم مصطفى بهجت بدوى قالت السيدة جيهان السادات «مش ممكن يا ريس» وكان جالس الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والمشير أحمد اسماعيل علي.. وقال مصطفى كاتب مقال كويس فى الجمهورية اليوم وطلب السادات الجريدة وقرأ المقال وبعدها بهدوء وبحسب رواية الكاتب أحمد بهاء الدين قال الرئيس: «طب شيل مصطفى من الكشف يا حاتم» وأبلغ هيكل الكاتب مصطفى بهجت بالواقعة.. اللافت ان بدوى لم يكن قد التقى السيدة جيهان قبل ذلك، بالتأكيد كان الأديب والكاتب بهجت قد تعرض لمواقف كثيرة فى حياته الصحفية الممتدة ما بين مجلة التحرير إلى الجمهورية إلى دار الهلال إلى الأهرام لكنه تعرض أيام كان أحمد كمال أبو المجد وزيرا كما يقول الكاتب ناصف سليم فى الجمهورية لحملة وقال هذا الكلام بعد وفاته ورثاه كامل زهيرى والأستاذ محمد العزبى والأستاذ محمد أبو الحديد والأستاذ عبداللطيف فايد وما كتبه الأديب والكاتب رجاء النقاش وكان نقله من الجمهورية إلى الأهرام بعد لقاء مع الرئيس السادات فى أسوان وعاد إلى القاهرة وحاول كمال أبو المجد أن يخفف من وطأة القرار الذى صدر بعد وصولهم القاهرة.. وظل وفيا للجمهورية بدليل مروره كل فترة على شارع نجيب الريحانى وهو عائد من الأهرام ليلقى نظرة عليها لحبه لها وكان يهنئ أى صحفى بها باب سبق يحرزه أو كتاب يصدره.
فى قصر الحمرا
عندما وصلته دعوة لزيارة اسبانيا لأول مرة سافر فى شهر يوليو وهو شهر السياحة إلى اسبانيا حيث المنتجعات فى طليطلة وقرطبة واشبيليه وجبل طارق وملقا وماريا وغرناطة التفاحة السياحية العربية الاسلامية التى تطل على ربوة الأندلس وتشع بقصر الحمرا لتعلن ان العرب مروا من هنا أيام الحكم الاسلامى لبلاد الأندلس.. ووصلت طائرته ولم يكن أحد يعرف موعد طائرته فى 25 فبراير 1983 فذهب للفندق وبمجرد وصوله وسلم أوراقه للفندق بعد قليل جاءه رجل مراسم .. سلمه برنامج رحلة إلى غرناطة و دليل سياحى.
يصف بدوى قصر الحمراء وكأنه يرسم لوحة الفسيفساء المرسوم على جدار فى قصر الحمرا أو «النمبر بالاس» كما ينطقها العامة فى شوارع اندلسيا وفى القصر الذى بنى فيما بعد عام 1248 كقلعة وهى القلعة التى كان سقوطها يعنى انتهاء الحكم العربى فى الأندلس.. وقف فى رحلته أمام الرسومات التى كتب على الجدران والتى لم يبق منها إلا «فلا غالب إلا الله» وعاد بهجت من الرحلة وكتب قصة السفر إلى الأندلس كمن يرسم لسائح لم يصلها كأنه عاش فى حبا لها وعاش فى البيئة العالية فى غرناطة واصفا الجدران كمن ينقش عليها لوحة الرسم الفنية.
الوفاة
فى يوم 28 فبراير 2002 أصيب بأزمة قلبية لم تمهله طويلا بعد رحلة عطاء استمرت 8 عقود وعام منذ ولادته فى الاسكندرية والتحاقه بالدفعة 42 بالكلية الحربية ومروره بعضوية حزب مصر الفتاة وغيرها من تظاهرات الطلاب فى الاسكندرية وتخرجه فى الكلية وبعد ذلك عضويته بالاتحاد الاشتراكى واصداره عدة مؤلفات مهمة للمكتبة العربية بينها واحد من أهم مؤلفات «مذكرات رئيس تحرير» وسلام على النبى وصحابته ومزاملته لرئيس الوزراء الأسبق كمال حسن على وكتابه «حكايات سبتمبر» وهو أول كتاب يؤلف عن سيرة ذاتية لدفعة كاملة بالكلية الحربية وكتاب كلام عنا وعن اسرائيل من 5 يونيو إلى 6 أكتوبر وسلام على النبى وصحابته الذى أصدره عام 1986 إضافة إلى دواوين شعره الذى بعد عنه وفيها 7 دواوين رسالة للمسيح 1975 قضية العمر الحالم 1981 ووجدان حائر 1947 وأقيم العزاء بحضور اعلامى وصحفى ورسمى حاشد.. وبوفاته فقدت الصحافة العربية فارسا من فرسان الخمسينيات والستينيات والسبعينيات فى هذه الجريدة التى كان عاشقا لها لدرجة انه كان يجول بخاطره وهو ذاهب للأهرام ويمر على مبنى الجمهورية القديم ففيه عاش مجده الصحفى ومعاركه والاتهامات التى سبقت حوله والدفاع الذى ابداه زملاؤه عليه كان يمر على الجمهورية كمن يمر على حبيبته لدرجة ان كتبه أهداها بعد تأليفها بخط يده إلى رؤساء التحرير والإدارة الذين تولوا الدار حتى وفاته.. وشيعت جنازته من مسجد عمر بن الخطاب بمصر الجديدة القريب من منزله وأقيم عزاؤه بجامع عمر بن عبدالعزيز بجوار نادى هليوبوليس المقابل لقصر الاتحادية.. وسيظل هذا الرجل سيرته بين من عاشوا معه فى الجمهورية وروزاليوسف ودار الهلال يتذكرونه بالخلق والوطنية وعروبته فقد كانت قضية فلسطين شاغلا أساسيا فى كلماته وحكاياته ودفعة 42 فقد عاش مدرسة أحمد بهاء الدين مدرسة الهواء الطلق ومع كامل زهيرى الذى ترأس تحرير الهلال.. فقد كان بدوى مؤمنا انه الرئيس للتحرير الذى يكبر بمن معه فقد كانت حياته قصيدة جميلة كما فى ديوانه الشعرى «ضراعة فى قلب عربي» فقد عاش كوجدان حائر وطنية صادقة.. ومن أجمل رثاء يكتبه شخص كان له عن زوج ابنته الذى اختطفه الموت شابا وفيه تختلط الدموع خاصة انه لا يرثى زميلا بل رثاه لابنه .
ففى ديوانه ضراعة فى قلب عربى يحث المتلقى على اكتشاف وطنه الكبير فقد كرس ابداعه لمصر وفلسطين والعروبة.