كشف إعادة طرح قانون العلاقة بين المالك والمستأجر مدى حاجتنا الماسة للبيانات المجتمعية المدققة التى تساعد الدولة على اتخاذ القرارات، بما يحقق الصالح العام قدر الإمكان دون الإضرار بأفراد المجتمع.
صحيح، لدينا الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو يقوم بجهد علمى واسع يعتمد على جمع البيانات عبر الإحصائيات والتعداد الذى يتم على مدى فترات زمنية محددة، ولكن هذه الإحصائيات العامة وحدها لا تكفى، لأنه- للأسف- مازال كثير من الناس يخشون تقديم المعلومات الدقيقة عنهم تحسباً لظن بأن الحكومة لا تعمل لمصلحتهم، وذلك وفقاً لميراث ثقافى قديم منذ فترة الاستعمار الأجنبى وربما لمشكلات فردية صادفها البعض منهم.
ولكن من الأمانة أن نذكر أنه منذ أن بدأت عملية التحول الحكومى نحو الرقمنة والاعتماد على الحاسبات الإلكترونية فى الإدارات والمصالح الحكومية، بدأت عمليات حصر وتغطية ومسح تقريبى إلى حد كبير لكثير من القطاعات مثل الخدمات الشرطية والأحوال المدنية والتأمينات والضرائب وغيرها، وذلك على غرار ما كنا نسمع عنه فى الدول المتقدمة، بأن إدخال رقم قومى لشخص بعينه كفيل بأن يعطى معلومات وافرة عن أى أمر يتعلق به.
>>>
المهم، ما أريد أن أثيره فى هذا المقال هو الدور المحورى والحيوى الواسع الذى يجب أن تلعبه وزارة التنمية المحلية بكل مراكزها وأحيائها السكنية سواء فى المدن أو القرى والنجوع عبر الوحدات المحلية.
لهذا التحديد الجغرافى الضيق لكل وحدة محلية كفيل بأن يقدم معلومات غاية فى الدقة والأمانة دون الوقوع فى دائرة الخطأ والتعميم، وأتصور أن هذا الدور كان يقوم به فى الماضى القديم فى مجتمعنا شخص كان يعمل لدى أقسام الشرطة يعرف بشيخ الحارة كان يساعد فى الكثير من المهام المجتمعية، وربما كان موازياً له فى الريف وإن كان بمهام أوسع «العمدة» فى القرية، وكان كليهما يستطيع أن يقدم معلومات دقيقة عن أى فرد يقع فى دائرته.
>>>
بالتأكيد، الدنيا تغيرت وتشعبت وتوسعت مع الزيادة السكانية، ولكن هذا لا يمنع من التفكير لإعادة الأدوار لوظائف مهمة كانت موجودة فى حياتنا مثلما هو مازال قائماً فى كثير من المدن والأقاليم الأوروبية أجهزة محلية إدارية سواء عاملة فى الدولة أو متطوعة فى الجمعيات الأهلية تمارس هذه المسئولية المجتمعية، فليس غريباً أن نسمع أنه فى بلد مثل السويد من يطرق الباب مساء على رجل أو سيدة مسنة تعيش بمفردها، يسأل عن أحوالها إلى حد «الطبطبة» والأخذ بيدها إن كانت فى حاجة لرعاية فى مستشفى أو دار مسنين أو غير ذلك.
أتصور أن عودة مثل هؤلاء الأشخاص فى حياتنا عبر أجهزة وزارتى التضامن الاجتماعى والمحليات كفيل بأن يحقق المسح المعلوماتى الشامل والدقيق الذى يساعد الدولة فى اتخاذ قرارات مجتمعية تمثل «تابوهات» كانت تخشاها حتى الآن مثل التعامل مع مستأجرى الشقق عبر قانون الإيجار القديم، وأظن أن تقدمنا الكبير فى عالم الرقمنة، سوف يحقق أهدافنا المرجوة التى تعكس حاجتنا للالتحام بالمجتمع والعمل لمصلحته وتلافى غير المستحقين لرعاية الدولة فى كثير من المجالات.
فمن الفساد وغير المنطقى، أن نرى شخصاً ينزل من سيارة شيروكى ثمنها 2 مليون جنيه يحمل بطاقة خبز يستعمل الدعم الحكومى للبسطاء، أو نسمع عن مسن يتسول يسأل الناس، اكتشفوا لدى موته صناديق مكدسة بالأموال التى جمعها من مهنة «الشحاذة».
هذا بالتأكيد قصور حكومى ومجتمعى خطير فى كشف أحوال المجتمع، الذى لا يجب أن يغيب عن أعين الدولة مهما كانت الظروف والمتغيرات السكانية والمجتمعية.