نموذج ناجح للتعاون الدولى
فى مشهد يليق بمكانتها الوطنية والإنسانية، احتفلت مكتبة مصر العامة بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسها، بحضور نخبة من رموز الفكر والثقافة والدبلوماسية، وعلى رأسهم صاحب الرؤية وصانع هذا المشروع الرائد، السفير عبد الرؤوف الريدى، رئيس مجلس إدارة المكتبة ومؤسسها، وبمشاركة فاعلة من السفير رضا الطايفى، مدير صندوق مكتبات مصر العامة، والذى لعب دوراً محورياً فى تطوير هذه المنظومة الثقافية المتكاملة.
الاحتفالية لم تكن مجرد وقفة للاحتفال بمرور الزمن، بل شهادة حية على قدرة مصر على بناء مؤسسات ثقافية مستدامة، تسهم فى صياغة وعى مجتمعى متوازن، وتفتح الأبواب أمام الأجيال الجديدة لتكون طرفاً أصيلاً فى معادلة التنمية والمعرفة
ففى زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتشتد فيه التحديات الثقافية، تظل مكتبات مصر العامة نموذجًا فريدًا لمشروع تنويرى متكامل، استطاع أن يصمد ويتطور على مدار العقود، بفضل رؤية ثاقبة وقيادة واعية جسدها السفير عبد الرؤوف الريدى، رئيس مجلس إدارة المكتبة ومؤسسها، الذى آمن بأن الثقافة ليست ترفًا، بل حق أصيل لكل مواطن.
وتُعد مكتبات مصر العامة واحدة من أكبر وأهم المكتبات العامة فى مصر، إن لم تكن الأفضل على الإطلاق، حيث تمثل نموذجًا ناجحًا للتعاون الدولى، إذ جاءت ثمرة شراكة متميزة بين الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافية، والطرف الألمانى، لتخرج إلى النور كأحد أبرز المشروعات الثقافية الرائدة فى تاريخ مصر الحديث.
منذ افتتاحها، تبنت مكتبة مصر العامة فلسفة إنسانية تقوم على أن المستفيد هو المحور، وأن الأنشطة والبرامج لا تُفرض من أعلى، بل تُصاغ وفق احتياجات الجمهور بعد دراستها بدقة.. هذه الرؤية جعلت من المكتبة فضاءً مفتوحًا لكل الفئات العمرية والاجتماعية، من الأطفال إلى كبار السن، ومن الطلاب إلى الباحثين، مرورًا بأصحاب الهمم والمواهب الشابة.
الهدف لم يكن مجرد توفير الكتب، بل تقديم تجربة ثقافية شاملة تعزز من حب المعرفة والتذوق الفنى، وتفتح المجال للحوار، والنقاش، وتبادل الخبرات، فى بيئة محفزة على الإبداع.
ومن و جهة نظرى سر النجاح الذى لازم مكتبات مصر العامة منذ انطلاقتها، يعود إلى روح التضامن والحماس والإصرار التى حملها المؤسسون والقائمون عليها، وفى مقدمتهم السفير عبد الرؤوف الريدى، الذى نقل تجربته الدبلوماسية إلى مشروع ثقافى وطنى يعكس صورة مصر التى تؤمن بالمعرفة كقيمة استراتيجية.
وبفضل هذه الرؤية، لم تتوقف المكتبة عند حــــدود الفـــرع الأم، بـل توســعت لتـؤسس 30 مكتبة فرعية فى محافظات الجمهورية، تعمل جميعها بنفس النهج، وتقدم الخدمات ذاتها من حيث الجودة والتنوع والانفتاح.
من أبرز ما يميز مكتبات مصر العامة، هو دعمها المستمر للمبادرات الأهلية والثقافية، واحتضانها للندوات الثقافية وللأنشطة الشبابية والمجتمعية، وهو ما يعكس امتدادًا حيًّا لجذور العمل الأهلى العريق فى مصر، الذى لطالما كان شريكًا رئيسيًا فى مشاريع النهضة الوطنية.
هذه المكتبات ليست مؤسسات رسمية مغلقة، بل منصات مجتمعية مفتوحة، تتيح لكل فرد أن يكون جزءًا من عملية التنوير، سواء كمستفيد أو كمشارك أو كصاحب مبادرة.
ايضاً الموقع الجغرافى للمكتبة الأم فى الجيزة، على مقربة من جامعة القاهرة ومتحف محمد محمود خليل، يضفى على المشروع بعدًا رمزيًا خاصًا، حيث يقع فى قلب منطقة ذات عمق ثقافى وتاريخى، ويجسد فكرة التلاقى بين الماضى والحاضر، بين التراث الأكاديمى والمبادرة الشعبية.
هذا الموقع جعل من المكتبة مركزًا نابضًا بالحياة، يربط بين الأجيال، ويعيد الاعتبار لقيمة القراءة والمعرفة فى زمن تغلب عليه الصورة السريعة والمعلومة السطحية.
وبالطبع لا يمكن الحديث عن مكتبات مصر العامة دون الإشادة بالدور الحيوى الذى يلعبه السفير رضا الطايفى، مدير صندوق مكتبات مصر العامة، الذى يبذل جهدًا استثنائيًا فى متابعة الفروع، ودعمها، وتوسيع نطاقها، خاصة من خلال المكتبات العامة المتنقلة، التى تجوب المحافظات والقرى لنشر المعرفة والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المواطنين.
هذه المبادرة تعكس فهمًا عميقًا لدور الثقافة فى التنمية الشاملة، وتؤكد أن المكتبة ليست مكانًا، بل رسالة، تتحرك حيث توجد الحاجة.
مكتبات مصر العامة ليست مجرد صروح ثقافية، بل مشروع وطنى متكامل، ينطلق من الإيمان بأن مستقبل مصر يبدأ من بناء الإنسان، وأن المعرفة هى السلاح الحقيقى لمواجهة الجهل والتطرف والانغلاق.
ثلاثون مكتبة اليوم، وحلم السفير الريدى أن تصبح ألف مكتبة فى المستقبل ليس بعيدًا، طالما بقيت الروح نفسها: العمل الجاد، الشراكة المجتمعية، والإيمان الصادق بأن الثقافة هى الأمل الحقيقى لمصر.