ما زال الحديث مستمرا حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيــع التى تنتهجهــا الــدولة المصــرية منــذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن. وفى الحقيقة أن مصر خطت خطوات واسعة فى هذا المجال بشكل واسع على مستويات وأصعدة مختلفة. ونستكمل اليوم الحديث بشأن نهضة مصر فى تصنيع وتوطين صناعة السيارات. تشهد مصر فى السنوات الأخيرة حراكًا ملحوظًا يهدف إلى تحقيق نهضة شاملة فى قطاع الصناعة، وتبرز صناعة السيارات كأحد المحاور الرئيسية فى هذه الرؤية الطموحة. فبعد عقود من الاعتماد النسبى على الاستيراد والتجميع المحدود، تتجه الدولة المصرية بخطوات واثقة نحو توطين صناعة سيارات متكاملة، قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية المتنامية والمنافسة إقليميًا وعالميًا. هذه النهضة لا تقتصر فقط على زيادة أعداد المركبات المنتجة، بل تمتد لتشمل تطوير البنية التحتية الصناعية، واستقطاب الاستثمارات الضخمة، ونقل وتوطين التكنولوجيا المتقدمة، وتنمية الكوادر البشرية المؤهلة. فضلاً عن تعزيز الابتكار والبحث والتطوير فى هذا المجال الحيوى. إن إدراك الحكومة المصرية للأهمية الاستراتيجية لقطاع السيارات، باعتباره محركًا للنمو الاقتصادى وموفرًا لفرص العمل ومحفزًا للصناعات المغذية، قد أثمر عن تبنى استراتيجيات وسياسات واضحة تهدف إلى خلق بيئة جاذبة للمصنعين العالميين وتشجيع الاستثمارات المحلية، وتقديم حوافز وتسهيلات لتوسيع الإنتاج وتعميق التصنيع المحلى.
وتتجلى ملامح هذه النهضة فى العديد من المؤشرات والخطوات العملية التى تم اتخاذها على أرض الواقع. وذلك من خلال رؤية يقوم بها الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل. فقد شهدت مصر تدفقًا ملحوظًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاع صناعة السيارات ومكوناتها، حيث أعلنت كبرى الشركات العالمية عن خطط لإنشاء مصانع جديدة أو توسيع المصانع القائمة، مستفيدة من الموقع الاستراتيجى لمصر كبوابة لإفريقيا والشرق الأوسط، وحجم السوق المحلى الواعد، وتوافر الأيدى العاملة بأسعار تنافسية. بالإضافة إلى ذلك تعمل الحكومة المصرية على تطوير المناطق الصناعية المتخصصة وتزويدها بالبنية التحتية اللازمة من طرق ومرافق وخدمات لوجستية متكاملة، مما يسهم فى تسهيل عمليات الإنتاج والتصدير. كما يجرى التركيز بشكل كبير على تطوير الصناعات المغذية لقطاع السيارات، مثل صناعة الإطارات والبطاريات والزجاج والمكونات المعدنية والبلاستيكية، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد وزيادة القيمة المضافة المحلية وتعزيز التكامل الصناعى.
وفى سياق تعزيز التوطين التكنولوجى، تبذل مصر جهودًا حثيثة لجذب الشركات العالمية المتخصصة فى إنتاج السيارات الكهربائية والصديقة للبيئة، وذلك تماشيًا مع التوجهات العالمية نحو الاستدامة وتقليل الانبعاثات الكربونية. وقد تم الإعلان عن حوافز خاصة لتشجيع هذه الصناعات الجديدة، بما فى ذلك توفير الأراضى بأسعار تفضيلية وتسهيل إجراءات التراخيص وتقديم الدعم الفنى والمالى. كما يجرى العمل على تطوير البنية التحتية اللازمة لشحن السيارات الكهربائية وتوعية المستهلكين بأهمية هذه التقنيات النظيفة. وعلى صعيد تنمية الكوادر البشرية، تولى الحكومة اهتمامًا خاصًا بتطوير برامج التعليم الفنى والمهنى لتخريج فنيين ومهندسين مؤهلين قادرين على تلبية احتياجات صناعة السيارات الحديثة. ويجرى التعاون مع الشركات العالمية لإنشاء مراكز تدريب متخصصة ونقل الخبرات وتقديم برامج تأهيلية متقدمة.
إن طموحات مصر فى قطاع صناعة السيارات لا تتوقف عند تلبية الطلب المحلى، بل تتعداه إلى التحول إلى مركز إقليمى للتصنيع والتصدير. ولتحقيق هذه الرؤية، تعمل مصر على تعزيز اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأفريقية والعربية، وتطوير الموانئ والمناطق اللوجستية لتسهيل حركة الصادرات، وتحسين جودة المنتجات المحلية لتلبية المعايير الدولية. كما يجرى التركيز على بناء علامات تجارية مصرية قادرة على المنافسة فى الأسواق العالمية، وتشجيع الشركات المحلية على الاستثمار فى البحث والتطوير والابتكار لتقديم منتجات ذات جودة عالية وتكنولوجيا متقدمة. إن النهضة المصرية فى صناعة السيارات تمثل فرصة حقيقية لتحقيق نقلة نوعية فى الاقتصاد الوطنى، وتعزيز التنمية المستدامة، وتوفير مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ومع استمرار الجهود وتضافرها بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، فإن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق حلمها فى أن تصبح مركزًا إقليميًا رائدًا فى صناعة السيارات.
وللحديث بقية