نعم قد تصور بطش القوة وجبروت الهيمنة للمحتل والمستعمر انه منتصر، وان المسفوك دمه والمشنوق على بوابات وطنه سيموت وتموت معه قضيته، للأسف لاأحد يقرأ التاريخ البعيد أو حتى القريب، والكلام ليس من قبيل خيال الشعراء ولكن أحداثه تحتشد به صفحات الإنسانية.
فالأصل فى الأنسان الحرية والمقاومة هى سلاحه وسبيله ونبضه الذى لا يهدأ حتى يستعيد حريته إذا سلبت منه، وتختلف صور المقاومة من هنا لهناك لكنها تعبر كلها عن صرخة الشعوب فى وجه المحتل.. وأعماق التاريخ تحتشد بصفحاته المزدانة بدماء المناضلين، وتظل هذه الصرخات تدوى حتى ينحسر الذل والهوان
وإسرائيل ومن خلفها أمريكا لديهم وهم الإنتصار، وان غزة ستصبح مستعمرة إمريكية تحت إسم الريفيرا ولها حاكم سيقسم يمين الولاء فى البيت الأبيض .. الوهم أعماهم عن قراءة ما حدث لأكبر امبراطوريتين فى العصر الحديث، فبميزان القوى هل كانت الجزائر أكبر من فرنسا، ومصر أكبر من بريطانيا وفيتنام أكبر من أمريكا!
الأجابة معروفة ويتغابى عنها الكاوبوى الامريكى وتابعه اسرائيل ـ وأنا أتفهم جذور عدم استيعابهما، لأنهم محتلون لأراضى ليست لهم، وأوطان ملك لغيرهم، الكاوبوى الامريكى المهاجر من أوروبا إستطاع أن يبيد الهنود الحمر حتى يقيم ولاياته الأمريكية، وتحاول إسرائيل تقليدها الآن بإبادة الشعب الفلسطينى، بل ووصلت الصفاقة الى إعلان مخططهم لتهجيره من وطنه ..
وهم للأسف لا يفهمون طبيعة الأرض و الوطن عند الفلسطينى مثل شقيقه المصرى والجزائرى، لأننا ببساطة أصحاب حضارات قامت على الأرتباط بالأرض ومهد أديان أختارت هذه الأرض وأهلها ولإسباب يعلمها الخالق ..لذلك تكون مقاومة الاحتلال هنا مشبعة بأسباب متعدده، فهى ليست مجرد رد فعل غريزى: للدفاع عن أرض لا يربطهم بها الا المرعى، والهوية هنا تجرى فى الدم وليست مجرد ورقة، المقاومة هنا تعبير أصيل عن إرادة الحياة، وعشق الحرية، والتصميم على صون الكرامة الإنسانية وهذا ما يميز شعوبنا وكما يقول شاعرنا الكبير محمود درويش:
عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ:عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين. سَيِّدَتى: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِى، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.
< هنا فلسطين .. هنا النصر آت اليوم أوغدا ..نعم قد يرى البعض ان الواقع ليس معنا وماحدث بعد 7 أكتوبر هو القضاء المبين على الشعب الفلسطينى فى غزة .. نعم قد يكون معهم بعض الحق لكن بمقياس واقعهم، لكن منذ متى كان الواقع هو الباقى والمستمر والدائم، ولو حدث هذا فسيعنى الجمود وتوقف لساعة الزمن والتاريخ، وهذا ضد طبيعة الكون والحياة .
نعم قد تختلف صور المقاومة وقد تتجسد فى أشكال متنوعة، تبعا لثقافة كل شعب وتاريخه.. فمن العصيان المدنى السلمى الذى يشل حركة المحتل كانت مقاومة الشعب الهندى بقيادة المهاتما غاندى ضد انجلترا، إلى الانتفاضات الشعبية العارمة التى تهز أركان سلطته هنا وهناك، وصولاً إلى الكفاح المسلح الذى يروى بدم الشهداء تراب الوطن كما حدث فى الجزائر وليبيا، الى عدوان مسلح مثل العدوان الثلاثى على مصر فى 1956 بعد تهديد أركانه فى كل مكان .. المهم إنها كلها تجليات لوصول الإنسان لحقه المسلوب وحريته فى تقرير مصيره.
ويرن فى أذنى صوت أمير الشعراء أحمد شوقى فى قصيدته الشهيرة «مصر تتحدث عن نفسها حين ربط الحرية بالتضحية والدماء التى تُراق فى سبيلها، وهو جوهر المقاومة:
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ.. بكلِّ يدٍ مُضرَّجةٍ يُدقُّ
< ومن يستعجل النصر قد يصاب بالإحباط واليأس، لكن عشرات السنين فى عمر الشعوب لا تزيد على «فيمتو ثانية «، فقد تمتد المقاومة أجيال وأجيال وعشرات السنين وقد لا يحصد الثمن وهو حرية الوطن الأحفاد أو أحفاد الأحفاد، المهم حين يحدث ذلك لإجيال قادمة يجدون فينا ما قد يلهب حماسهم، ولانترك لهم الخزى والعار .. يعبر عن هذا الاحساس الشاعر الفلسطينى سميح القاسم:
قد نَموتُ غداً.. أو بعد غدْ.. سوف نَمضى كما ماتَ أسلافُنا.. وسَيَمُرُّ على قبريَ جيلٌ قادمْ.. يزرعُ الزَّهرَ ويَسقى العظامْ.. ويبتسمُ.. لأنِّى قَدَّمتُ شيئاً