لم تكن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية يوم النصر فى العاصمة الروسية موسكو الأسبوع الماضى، بما تضمنته من مشاهد ولقاءات تؤكد نجاح الدبلوماسية المصرية فى اجتياز أكبر موانع النظام العالمى الحالى، فقد سبقتها مشاركات ولقاءات أخرى عديدة للرئيس السيسى أثبتت أن مصر اجتازت بالفعل مانع «التبيعة» الصعب الذى عملت عليه الولايات المتحدة الأمريكية بعد انفرادها بقيادة العالم عقب تفكك الاتحاد السوفيتى السابق عام 1989، وما أعقبه من تبنى صناع القرار فى واشنطن لإستراتيجية طويلة المدى تعنى استمرار هيمنة أمريكا على العالم وتفوقها عقوداً طويلة على روسيا «وريثة الاتحاد السوفيتى» والصين القوة الصاعدة فى الخريطة الدولية، وفى هذا السياق نذكر جميعا مقولة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش: «من ليس معنا فهو ضدنا»، والتى أشارت فى مضمونها إلى عدد قليل من الدول أطلقت عليها الإدارة الأمريكية مسمى «الدول المارقة»، غير أن هذا المسمى تحول بمرور الوقت إلى «بعبع» للدول الحليفة والمؤيدة للولايات المتحدة، وأصبح من الصعب على هذه الدول اتخاذ مواقف مختلفة أو بعيدة تماما عن السياسة الأمريكية.
>>>
الغريب فى هذا الصدد أن الولايات المتحدة ورغم إدراكها تماما لانصياع الدول الحليفة لسياستها إلا أن هذه السياسة شهدت تغيرات جوهرية طرأت عليها خاصة فى ما يتعلق بدول منطقة الشرق الأوسط، وقد ظهر ذلك واضحا بإشعال ما سمى بثورات الربيع العربى فى نهاية العقد الأول والسنوات الأولى من العقد الثانى من القرن 21 الجارى، والتى طالت مصر وكان لأحداث 25 يناير 2011 تداعيات خطيرة كادت تؤدى للفوضى وانهيار مؤسسات الدولة.. أيضا كان لوصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحكم، أكبر الأثر فى تمادى الجماعة فى نشر أفكارها المتطرفة وبث الفتنة والتهديد بنشوب حرب أهلية، غير أن اشتعال ثورة 30 يونيو 2013 وتغييب «الإخوان» عن المشهد حال دون ذلك، كما منح الفرصة لبداية عصر جديد بتولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم عام 2014، والذى أبدي- ومنذ اللحظة الأولى لدخول القصر الرئاسي- إدراكا واسعا ووعيا صادقا بالمتغيرات الإقليمية والدولية وبمكانة مصر فى المنطقة والعالم والتى تتطلب إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، والتعامل وفق ثوابت محددة ومن ضمنها الحفاظ على المصالح العليا للدولة واستقلالية القرار المصرى، والاحترام المتبادل.
>>>
وحقيقة فقد تحول إدراك ووعى الرئيس السيسى بأهمية مصر ومكانتها فى المنطقة والعالم، إلى سياسات فعلية وتحركات دبلوماسية منها حضور الرئيس السيسى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك عام 2015، حيث تعددت وتنوعت لقاءات واجتماعات الرئيس السيسى مع عدد كبير من رؤساء وزعماء دول العالم ومن الغرب والشرق.. وفى عام 2018 زار الرئيس السيسى موسكو والتقى نظيره الروسى فيلاديمير بوتين وتم بحث المشروعات الروسية فى مصر ،، وفى عام 2021 شارك الرئيس السيسى فى قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ التى عقدت بمدينة جلاسجو البريطانية والتقى هناك عدداً من قادة ورؤساء وحكومات دول أوروبية وآسيوية وأفريقية، وفى عام 2022 ترأس الرئيس السيسى قمة المناخ بشرم الشيخ والتى شارك فيها معظم قادة العالم، وفى عام 2023 شارك الرئيس فى قمة «دول تجمع فيشجراد مع مصر» بالعاصمة المجرية بودابست والتى تضم كلا من المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا، وفى عام 2024 زار الرئيس السيسى الصين وتم الاتفاق على توثيق العلاقات بين البلدين فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية.
>>>
هكذا تنوعت جولات الرئيس السيسى وأنشطته السياسية التى اهتمت بكل القوى الدولية، وصبت جميعها فى مصلحة التنمية وجذب المشروعات الاستثمارية لمصر إلى جانب تنويع مصادر السلاح وتطوير القوات المسلحة، كذلك فإن أحد الأهداف المهمة للحراك الرئاسى هو مناقشة القضايا العربية والقضية الفلسطينية بالتحديد بعدما فرضت الدبلوماسية المصرية رؤيتها على كل دول العالم برفض تهجير سكان غزة ورفض تصفية القضية الفلسطينية، وحتمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
من هنا فإن مشاركة الرئيس السيسى فى احتفالية يوم النصر فى روسيا وما شملته من لقاءات ومباحثات متميزة، وقبلها المباحثات الثنائية بين مصر وكل من فرنسا وإسبانيا واليونان، والتى تؤكد كلها وبما لايدع مجالا للشك أن رؤية الرئيس السيسى فى السياسة الخارجية وتحركاته الدولية كانت وجه مصر المضىء وكانت الأصوب على مدى عقود طويلة، وأن الرئيس نجح بالفعل فى جعل مصر دولة محورية فى العالم لموقعها الإستراتيجى ولسياساتها السلمية المعتدلة والمستقلة، ولأنها تسعى فقط للتنمية وبناء الإنسان فى الوقت نفسه هى قادرة على حماية أرضها وحدودها ومقدرات شعبها.
