كنا أربعة من الأصدقاء والتقينا لزيارة صديق لنا فى بيته إثر شفائه من عملية خطيرة أجريت له وبينما كان التليفزيون يعرض فيلماً أبيض وأسود وهو من النوع الكوميدى اللطيف واسم الفيلم لصوص لكن ظرفاء بطولة أحمد مظهر وعادل إمام ومارى منيب، أثناء عرض الفيلم داعبنى أحد الأصدقاء بقوله ألا يوجد من بين الفلاسفة لصوص؟ وغمز بعينه قائلاً أقصد لصوص أفكار طبعاً! أجبته بل يوجد منهم من بدأ مفكراً بسرقة بنوك وقد نجح فى ثلاث مرات وتم القبض عليه فى الرابعة فاكتسى وجهه دهشة ثم علق قائلاً معقول! هل تتكلم بجد؟
من الطبيعى وعبر العصور أن تفضى أفكار بعض الفلاسفة إلى السجن بل وما هو أكثر من ذلك! لكن أن يخرجّ السجن فيلسوفاً فإنه عجب العجاب، غير أن هذا ما حدث مع الفيلسوف الفرنسى المعاصر «برنارستيجلر» (1952-2020) الذى عاش فى صدر شبابه حياة صعبة فعمل مزارعاً وجرسوناً ومربى ماشية وعندما منعه البنك الذى أودع فيه مدخراته أن يسحب على المكشوف مدخراته بصورة غير مفهومة قرر أن يستعيد مدخراته وأكثر إلى أن تم إلقاء القبض عليه..
وفى السجن طرح سؤاله الفلسفى الأول ما الذى يصنعه فى هذه الحياة؟ وتكون الإجابة الوعى بأنه كإنسان مشروع حياة لها قيمتها، ويبدأ بدراسة الفلسفة ومن خلال المراسلة ليكون درس الحياة مزدوجاً من السجن والفلسفة حيث الخبرة والتجربة فى السجن ودرس فن العيش فى الحياة من الفلسفة ليصبح بعد خروجه أستاذاً جامعياً ومفكراً معاصراً مرموقاً يصب اهتمامه الأكبر على أثر التكنولوجيا وتحديداً التكنولوجيا الرقمية فى الحياة الإنسانية ويرى أنه يجب عدم الخوف من التكنولوجيا فهى فى نهاية الأمر ليست سوى أداة أو جهاز مخترع يفتح علاقة بيننا وبين العالم من حولنا.
إننا المخترعون المبتكرون لهذه الأدوات الرقمية وعلينا أن نديرها كبشر وكأداة كما تستخدم الأدوات الأخرى فى حياتنا ومن أجمل أعماله الفلسفية كتاب «أن نحب ذواتنا … ونحب بعضنا بعضاً»، كتاب «الغباء والمعرفة فى القرن الواحد والعشرين»، وكتاب: «ما يجعل الحياة تستحق أن تعاش» وأخيراً تطرح حياته درساً منطقياً غير ما نعرفه من منطق وهو كيف نتوقع من مقدمات سلبية معقدة نتائج إيجابية فاعلة، هذا ما لا يعلمه المنطق لكن تعلمه الحياة الفلسفة عبر طلاب وأفكار جديدة ومؤلفات مؤثرة هى محصلة حياة لإنسان بدأ لصاً ثم صار فيلسوفاً فالفيلسوف على حد تعبيره هو من يواجه الواقع الذى يعيشه! وبمعنى آخر فى مواجهة الحياة يعبر المبدع صلاح جاهين فيكتب، ما حد فى الدنيا دى واخد جزاته ولا حد بيفكر فى غير لذاذاته، ما تعرفش يا حبيبى أنا وانتى مين؟ أنتى عروس النيل … وأنا النيل بذاته … عجبي!!.