نمر بظروف وضغوط شديدة التعقيد، وكل خطوة وحركة فى غير محلها قد تكلفنا ما لا طاقة لنا به، هذا القول ينطبق علينا جميعا أشخاصاً ومجتمعات ودولا، لذلك مهما ضاقت علينا الأرض بما رحبت فلا يجب أن تضيق علينا أنفسنا أبداً، هذا المعنى لا يستقيم دون فهم حقيقى لقواعد الحياة وناموس الخالق الأجل الأعظم، فدوام الحال من المحال ولا يبقى إلا وجه الله جل فى علاه، بيد ان تغيرات الدنيا من حولنا لم تتوقف لحظة واحدة لكننا لا نقرأها بالشكل الصحيح ولا نضعها فى سياقها الطبيعي، لن ادخل فى مرثيات او مواعظ فهذا ليس موضعه ولا توقيته ولست مؤهلا لذاك.
> > >
لكننى أرصد سلوكيات الثابتين على مبادئهم وأتابع فى صمت معاناتهم التى تصل إلى حد الوجع والألم مما يتعرضون له جراء مواقفهم الاختيارية التى تعكس فهما ووعيا وثباتاً على المبدأ، وفى نفس الوقت تحاصرنى تصرفات الحمقى والأغبياء والمتلونين الذين يبدلون مبادئهم كما يستبدلون جواربهم ويبرعون فى الخلط بين المواقف والمبادئ، اقف على ناصية الواقع متدثرا بأردية الحلم فى مدينة فاضلة أعلم أنها أبداً لن تكون، ورغم ذلك مازلت – وربما أظل – انتظرها، انظر إلى الاسد الحزين الذى يبحث عن فريسة يسد بها جوعه وهو يتجول فى الغابة باحثا ومترقبا ومراقبا ورقيبا.
> > >
لكنه وهو يمارس هذا الانتظار اللعين أبداً لن تجده أو تراه يأكل العشب! لن يتنازل عن هدفه حتى لو ذبل ومات، هكذا الأسود تصنع رغم قوانين الغابة اللعينة، وهكذا نحن فى غابتنا التى نعيش فيها يختلط فيها الحابل بالنابل والغث والثمين والغالى والرخيص والصادق والكاذب والأحمق والحكيم، حيص بيص كما يقولون، فالبعض يتنازل عن بعض ثوابته تحت ضغط التحديات، والبعض الآخر يحاول قهر تلك الظروف والتحديات فإن لم يستطع انزوى ورحل بعيدا الحلبة الملعونة صامتا شاردا كما الاسد لا ينحنى ولا ينثنى ولا ينبطح ولا يقبل المساومات.
> > >
قد يموت كما الشجر واقفاً لكنه لن ينكسر تحت وطأة الحاجة أبداً، هذا السياق يمكن ان تراه فيمن حولك بمنتهى البساطة ودون بحث او تكلف، ستجد نفسك محاطاً بالحمقى والموتورين، وستجد حولك قليلاً من العقلاء، وفى أوقات المحن والأزمات سيشتد الضباب فيحكم اللايقين وتظهر الطبقات الطفيلية لتتسلل عبر أنفاق غير مرئية متوهمة أنها قادرة على الصعود على أكتاف الرجال وتشيع الفتن ويكثر اللغط ويتحول المتحولون ويثبت القليلون.
> > >
وعندنا أقف على ناصية الحكمة والروية والتجرد وأستغرق متأملاً فيما يجرى ويدور حولى وأستمع الى همسات بعضهم وهم يغمزون ويلمزون على أصحاب الفضل عليهم ويصفونهم بأقذع الصفات ويهاجمون فعالهم رغم أن بعض هذه الفعال هى من جاءت بهم إلى أماكنهم التى قطعا ويقينا لا يستحقونها، وعندما أرى عديمى الشرف يقفون على قارعة الطريق يحاولون سرقة واستلاب شرف الشرفاء ليكونوا أمثالهم، وعندما أرى الغانيات ترتدين ثياب القديسات ويتحدثن فقط عما يفتقدنه من شرف وكرامة ووطنية.
> > >
وعندما تجد هؤلاء الذين يكذبون بصدق ويخونون بمهارة وجسارة، عندما يحدث كل هذا أمام عينك لا تبتئس بل كن على يقين أنك منتصر لا محالة رغم كل هذا العبث وكل هذه الحماقة، ثم آه من الحماقة لو امتزجت بالكبر وألف آه لو تعانق الغباء معها ستجد تفسيرا مجازيا لقوله تعالى «ويخلق ما لا تعلمون» وستقول بأعلى صوتك ولله فى خلقه شئون، قابلت فى حياتى الكثير من هؤلاء وتعلمت منهم ألا أكون منهم أو معهم مهما كانت الظروف.
> > >
الكاتب جيمس ويلز فى كتابه «فهم الغباء» فيقول إن الغبى غير قادر على التكيف ويتصرف بطريقة تمنعه من فهم ما يدور حوله من الحقائق الجديدة، والمتغيرات الحاصلة فالغباء إذن هو سلوك يهزم صاحبه فلا يكتسب أى فائدة من خلال التصرف بطريقة غبية، والغباء أنواع فهناك الغباء التكتيكى والوقائى والفكرى والعاطفى والخلقي، بيد أن ما قرأته من روائع تتحدث عن الغباء تعريفا واصطلاحا ومعنى وأثرا فى الماضى لا يشبع غريزتى المعرفية والتى تخرج غالبا من بين ثنايا المشاهدات المعاشة الآن.
> > >
فالأغبياء يتعاملون مع الآخرين بتعال وتكبر وغرور وثقة! وآه من ثقة الأغبياء فى أنفسهم، وآه من تواضع الحكماء وزهدهم، انهم يموتون كما الأسد الذى لن يأكل العشب حتى لو مات جوعاً.